في الأيام التي تلت الغارات الجوية الإسرائيلية المميتة على اجتماع لقيادات الحوثيين في العاصمة اليمنية صنعاء، بدأت تنتشر شائعات تفيد بأن مسؤولين حوثيين مصابين قد تم نقلهم جواً خارج البلاد على متن طائراتٍ تابعة للأمم المتحدة لتلقي العلاج الطبي.
وقد أصدرت بعثة الأمم المتحدة في اليمن نفيًا رسميًا لذلك، في حين أعربت الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا والمتمركزة في الجنوب عن شكوكها في بيان الأمم المتحدة، ودعت إلى الشفافية وفتح تحقيق في هذه الرحلات الجوية.
•طرق المساعدات كأداة للسلطة
يثير الجدل حول كيفية دخول المساعدات الإنسانية إلى شمال اليمن الضوء على جزء أساسي من استراتيجية الحوثيين. فقد عطّلت الغارات الإسرائيلية على المطارات والموانئ الخاضعة لسيطرة الحوثيين ليس فقط خطوط إمداد تهريب الأسلحة، بل وأيضًا مصادر رئيسية للإيرادات. وقد اضطرت المنظمات الإنسانية إلى إعادة النظر في طرق تقديم المساعدات، لكن وفقًا لوثائق برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، فإن الحوثيين يسمحون بمرور المساعدات عبر ثلاث نقاط فقط: ميناء الحديدة على البحر الأحمر، ومطار صنعاء، ومعبر بري من عمان (مع قيود).
ويعني هذا عمليًا أن المساعدات لا يمكن أن تصل إلى شمال اليمن إلا عبر نقاط مرور تسيطر عليها جماعة الحوثيين. كما أن استخدام ميناء عدن الخاضع لسيطرة الحكومة محظور. وبدلاً من ذلك، يجب أن تسلك شحنات المساعدات الطريق الأطول والأكثر كلفة من عمان. وبينما تبعد عدن نحو 300 كيلومتر فقط عن صنعاء، يبعد معبر عمان نحو 1,300 كيلومتر تقريبًا. والمنطق وراء ذلك سياسي وليس لوجستيًا: فالحظر يهدف إلى حرمان الحكومة من الإيرادات.
•الحرب الاقتصادية للحوثيين
منذ اندلاع الحرب الأهلية في اليمن عام 2014، اتبعت جماعة الحوثيين سياساتٍ تهدف إلى شلّ الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا والمتمركزة في عدن. وكان القطاع الأكثر استهدافًا هو قطاع الطاقة في اليمن، الذي كان يساهم بما يصل إلى 20٪ من الناتج المحلي الإجمالي وأكثر من نصف إيرادات الحكومة. ففي عام 2022، أجبر الحوثيون على إيقاف صادرات النفط والغاز من خلال تهديدات بهجمات بالطائرات المُسيّرة، ما أدى إلى فقدان 2–3 مليارات دولار من الإيرادات السنوية.
وفي الوقت ذاته، حولوا حركة الشحن بعيدًا عن عدن باتجاه الحديدة. وبحلول عام 2023، انخفضت حركة الميناء في عدن بأكثر من النصف، مما حرم الحكومة من ثلث إيراداتها الإضافية.
لقد ترك هذا الضغط المالي الحكومة عاجزة عن دفع الرواتب بشكلٍ منتظم أو تقديم الخدمات الأساسية في جنوب اليمن، ما أدى إلى اندلاع الاحتجاجات واضطراباتٍ شعبية. و إضعاف عدن لا يقلل من الثقة في الحكومة فحسب، بل يتيح أيضًا للحوثيين تقديم أنفسهم كبديل أكثر صمودًا، على الرغم من تدهور الأوضاع في المناطق التي يسيطرون عليها.
كما جعل الانهيار المالي عدن تعتمد بشكلٍ متزايد على المساعدات من السعودية والإمارات العربية المتحدة.
ولكن كلما اتخذت الحكومة اليمنية خطوات تهدد الحوثيين، مثل محاولة تقييد نظامهم المصرفي، يرد الحوثيون بتهديدات تجاه الرياض أو أبوظبي. ومن جانبها، تضغط تلك الدول على عدن للتراجع عن خطواتها.
•المساعدات كأداة للضغط
لماذا يُصر الحوثيون على أن تمر المساعدات عبر موانئهم ومطاراتهم فقط؟
على مستوى ما، تولد هذه العملية إيرادات مالية. لكن رفضهم التام لمسارات مرور المساعدات عبر عدن يكشف عن الاستراتيجية الأعمق: حرمان الحكومة من الموارد له الأولوية على تقديم المساعدات بكفاءة لمواطنيهم أنفسهم.
و على مدار عقد من الزمن، عمل الحوثيون على فصل اقتصاد شمال اليمن عن الجنوب، ما ترك الجنوب ضعيفًا جدًا لدرجة تمنعه من العمل كدولة فعّالة. وحتى عندما أعادوا فتح بعض الطرق مؤخرًا لتخفيف الضغط عن السكان، لم تتغير الاستراتيجية العامة.
وفي الوقت ذاته، امتثلت المنظمات الإنسانية، التي تدير ميزانيات تقدر بمليارات الدولارات سنويًا، إلى حد كبير لقيود الحوثيين. فبرنامج الأغذية العالمي، على سبيل المثال، اشترى أكثر من 200 مليون لتر من وقود الديزل من موردين يسيطر عليهم الحوثيون، بما في ذلك أفراد يخضعون لعقوبات دولية. و هذه المعاملات تُثري الجماعة وتتيح لها مواصلة حملتها في الحرب الاقتصادية.
•بيئة متغيرة
يواجه استخدام الحوثيين العدواني للمساعدات كأداة ضغط تحديات جديدة. فقد جعلت هجماتهم الأخيرة على السفن التجارية في البحر الأحمر ميناء الحديدة أقل أمانًا للمنظمات الدولية. وفي الوقت ذاته، قد تتيح التغيرات في السياسة الأمريكية خلال إدارة ترامب مساحة لاستراتيجية دولية جديدة: تقوية الحكومة في عدن والحد من استغلال الحوثيين للقنوات الإنسانية.
و السؤال الآن هو ما إذا كان المجتمع الدولي سيغتنم هذه الفرصة لمواجهة تلاعب الحوثيين بالمساعدات وحربهم الاقتصادية، أم سيستمر في سياسات، وإن كانت غير مقصودة، تُقوّي الجماعة على حساب المدنيين في اليمن.