أحمد الرهوي، رئيس وزراء الحوثيين الذي قُتل في هجوم شنّته قوات الدفاع الإسرائيلية على العاصمة صنعاء الخميس الماضي، لم يكن يتوقع يوماً أن يصبح رئيساً للوزراء.
كان شخصية هامشية إلى حد كبير، تفتقر إلى النفوذ، إذ لم يتجاوز أعلى منصب إداري شغله سابقاً رئاسة مديرية تقع اليوم تحت سيطرة الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً. وقد عُيّن رئيساً للوزراء في أغسطس/آب 2024 كخيار مؤقت، ليجسّد تعهّد زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي بـ”إصلاح شامل”، فيما لم يتعدَّ دوره الفعلي كونه واجهة رمزية.
الرهوي حلّ محل عبد العزيز بن حبتور، رئيس الوزراء السابق، الذي لم يكن بدوره سوى موظف شكلي بلا سلطة حقيقية. وكما كان حال بن حبتور وبقية الوزراء التسعة عشر، بدا الرهوي أمام الرأي العام أشبه بواجهة بلا مضمون؛ حضور شكلي بلا تأثير.
أما السلطة الحقيقية في حكومة الحوثيين فتركزت بيد أحمد حامد، مدير مكتب المجلس السياسي الأعلى، الذي يتولى عملياً إدارة الكيان الحوثي وتنفيذ أوامر عبد الملك الحوثي، الزعيم الذي يفضّل البقاء بعيداً عن الأنظار والاكتفاء بالظهور عبر تسجيلات فيديو.
وبالنظر إلى ردود فعل كبار مسؤولي حكومة الحوثيين الذين عبّروا علناً خلال العام الماضي عن امتعاضهم من تعيين الرهوي – معتبرين إياه مجرد أداة لصرف الأنظار وتخفيف الانتقادات الشعبية – يمكن القول إن كثيراً منهم رحّبوا عملياً باغتيال شخصية لم يروا فيها أي ضرورة أو أهلية للمنصب.
يسيطر الحوثيون على نحو 35% من الأراضي اليمنية التي يقطنها أكثر من 60% من السكان. غير أن نفوذهم لا يستند إلى مؤسسات الحكومة الرسمية، بل إلى شبكة مترابطة من المقرّبين الذين عُيّنوا محافظين، إضافة إلى ممثلي الوزارات الذين يعملون كمبعوثين شخصيين لـ”قائد الثورة” عبد الملك الحوثي. هؤلاء يشرفون على المحافظين، ويضمنون الولاء المطلق للنظام، ويديرون توزيع الميزانية، والمنظومتين القضائية والضريبية، والخدمات الحكومية، ويرفعون تقاريرهم مباشرة إلى المجلس السياسي الأعلى.
وعليه، فإن اغتيال معظم أعضاء حكومة الحوثيين يوم الخميس الماضي شكّل ضربة مفاجئة غذّت أصوات المنتقدين لعبد الملك الحوثي، لكنه لم يترك فراغاً حقيقياً، إذ ستُملأ المقاعد سريعاً بأسماء بديلة. فمكمن ضعف المنظومة ليس في غياب الوزراء، بل في تركيز السلطة بيد عبد الملك الحوثي، الذي يرى نفسه نظيراً للمرشد الأعلى في إيران.
أما اغتيال عبد الملك الحوثي نفسه – الذي لا يظهر في العلن ويتنقل بين مخابئ متعددة – فقد يشكّل نقطة تحول محتملة، وربما يؤدي إلى انهيار منظومته العائلية والعسكرية. لكن من المهم التذكير بأن الحوثي تولى قيادة التنظيم عام 2004 بعد مقتل شقيقه حسين بدر الدين الحوثي، ثم خلف والده بدر الدين الحوثي عام 2010، ليصبح القائد العسكري والروحي للتنظيم معاً. وبمعنى آخر، تصفية القيادات لم تعنِ يوماً أن التنظيم سيبقى بلا قيادة.
ويواجه عبد الملك الحوثي أيضاً منافسين من داخل العائلة يطمحون إلى الزعامة، بينهم ابن عمه علي حسين الحوثي، الذي يدير جهازاً استخباراتياً خاصاً ويشرف على سجون منفصلة، ومحمد علي الحوثي، المسؤول البارز في قطاع الدفاع، إضافة إلى مهدي المشاط، رئيس المجلس السياسي الأعلى والقائد العام للقوات المسلحة، الذي يتقدم في موقعه على رئيس الأركان.
لذلك، فإن اغتيال عبد الملك الحوثي قد لا يضع حداً لحكم الجماعة، بل ربما يؤدي إلى نتيجة عكسية، إذ تنتقل السلطة ببساطة إلى خلفه، أو تظهر تنظيمات منافسة تتصارع على القيادة.
من جهته، كان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب قد حلم هو الآخر بالقضاء على قيادة الحوثيين. ففي مارس/آذار الماضي تعهّد بإبادتهم عبر هجمات واسعة على قواعدهم. ووفقاً للجنرال مايكل كوريلا، قائد القيادة المركزية الأميركية حينها، كان مقرراً أن تستمر العملية بين ثمانية إلى عشرة أشهر.
لكن خلال الشهر الأول فقط، نفذت القوات الجوية الأميركية نحو 1,100 طلعة، وخسرت مقاتلتين وسبع طائرات مسيّرة، فيما تجاوزت الكلفة الإجمالية لتلك الغارات مليار دولار. ومع تصاعد المخاوف من نقص الذخائر، قرر ترامب وقف العملية بعد شهر واحد فقط. وفي يونيو/حزيران، أعلن عن “إنجاز دبلوماسي” تمثل في وقف إطلاق النار بين الحوثيين وأميركا.
وقال ترامب آنذاك: “لقد ضربناهم بقوة شديدة، وكان لديهم قدرة كبيرة على تحمّل الضربات. يمكن القول إن لديهم قدراً كبيراً من الشجاعة. لقد وعدونا بألا يطلقوا النار على السفن مجدداً، ونحن نفي بذلك.” لكنه أغفل أن الاتفاق لم يشمل وقفاً شاملاً لإطلاق النار، إذ استثنى السفن الإسرائيلية، ما ترك إسرائيل وحيدة في مواجهة الحوثيين، فيما تبنت واشنطن موقف المراقب من بعيد.
وفي يونيو/حزيران، خلال ذروة الحرب بين إسرائيل وإيران، اعتقد البعض أن الفرصة سانحة لإضعاف الحوثيين نظراً لارتباك طهران، لكن أي تحرك من هذا النوع كان سيتطلب مشاركة قوات برية تابعة للحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، وهي قوة مفككة وضعيفة.
يمن منقسم
لم يتقاضَ جنود الجيش اليمني رواتبهم الكاملة منذ أكثر من ثلاثة أشهر، وكثير منهم مجرد “جنود وهميين” تُسجَّل أسماؤهم في الكشوفات بينما يعملون في وظائف أخرى لإعالة أسرهم. والأسوأ أن الجيش بات يعاني انقسامات قبلية وسياسية أفرزت وحدات شبه مستقلة تتناحر أحياناً فيما بينها.
جزء من الجيش يدين بالولاء للمجلس الانتقالي الجنوبي بقيادة عيدروس الزبيدي، الساعي إلى إحياء دولة جنوب اليمن السابقة بدعم إماراتي، في حين يتلقى “الجيش الوطني” دعماً سعودياً للحفاظ على يمن موحد. وإلى جانبهما، برزت قوة ثالثة سيطرت على مديرية نفطية وعدد من الموانئ، لتؤسس شكلاً من الحكم الذاتي.
لكن حتى لو تجاهلنا هذه الصراعات، فإن ميزان القوى لا يضمن نصراً حاسماً على الحوثيين. فبينما يتراوح عدد قوات الجيش اليمني بين 40 و100 ألف جندي، يُقدَّر عدد مقاتلي الحوثيين بـ 350 إلى 400 ألف مقاتل. (للمقارنة: حماس نحو 40 ألف، وحزب الله بين 50 و100 ألف).
مع ذلك، لا تخطط أي قوة حالياً لغزو مناطق الحوثيين. ففي 2015، خاضت السعودية والإمارات حرباً واسعة ضدهم، سالت فيها دماء يمنيين ومرتزقة من إفريقيا وأميركا الجنوبية. لكن بعد سبع سنوات، وُقّعت هدنة، وتخلت الرياض وأبوظبي عن التحالف الدولي الذي قادته واشنطن في البحر الأحمر.
في المقابل، يواصل الحوثيون تغذية طموحاتهم بالسيطرة على ما تبقى من اليمن، لكنهم يواجهون هم أيضاً قيوداً عسكرية. ولذا يعتمدون على إطلاق الصواريخ والطائرات المسيّرة باتجاه إسرائيل، وتهديد الملاحة في البحر الأحمر، كورقة ضغط لانتزاع مكاسب سياسية، بينها ضمان دور في حكومة جديدة، وحصة من الموازنة وعائدات النفط.
وحتى يتحقق ذلك، يُتوقع أن يواصلوا صراعهم مع إسرائيل بالوتيرة الحالية تقريباً. فما يزال لديهم مخزون معتبر من الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة، بعضها مُصنَّع محلياً، فيما يُهرَّب البعض الآخر من إيران والصين، وبحسب تقارير حديثة، من روسيا أيضاً.
الرابط ادناه لقراءة المادة من موقعها الأصلي:
https://www.haaretz.com/israel-news/2025-09-01/ty-article/.premium/why-israels-assassination-of-houthi-pm-changes-little-in-yemens-power-structure/00000199-01b2-d1bf-a1fb-99bee89b0000