تحليل: عودة صالح الابن إلى المشهد اليمني بين الطموح والرهانات الإقليمية
يمن فيوتشر - صالح المحوري: الخميس, 21 أغسطس, 2025 - 08:48 مساءً
تحليل: عودة صالح الابن إلى المشهد اليمني بين الطموح والرهانات الإقليمية

كان وصول أحمد علي عبدالله صالح، نجل الرئيس اليمني الأسبق، إلى منصة القاعة التي شهدت حفل زواج شقيقه وأربعة من أقاربه في العاصمة المصرية القاهرة صعبًا، إذ تدافع المئات للسلام عليه بينما بدت على هذا الأخير علامات التفاعل.

وللوهلة الأولى قد يظن المتابع أن الحفل كان مخصصًا لإعلان البرنامج السياسي للسفير السابق لدى دولة الإمارات من حيث الأجواء والحضور، لكن هذا كان إعادة تذكير باستخدام حفلات الأعراس في اليمن للترويج السياسي.

وبدأ ظهور صالح الابن في تزايد منذ رفع العقوبات الأممية عليه في يوليو العام الماضي، وهو ما يضع عدة تساؤلات حول دوافع هذا الظهور وأهدافه المتوقعة في الوقت الذي تشهد فيه المنطقة والإقليم تحولات عديدة.

 

•دوافع الظهور
حشد الأنصار في اليمن هي إحدى أسهل المهمات التي يبرع فيها السياسيون اليمنيون، رغم أن الحشد دائمًا لا يأتي بنتائج إيجابية؛ وقبل حوالي ثمان سنوات كان صالح الأب يلقي خطابًا أمام مئات الآلاف في ميدان السبعين، وهي أعداد أعطت انطباعًا خاطئًا للجميع أن صالح هو الأقوى، لكنه قُتِل بعيد أشهر قلائل ولم يكن معه إلا عدد من أفراد حراسته.

ومع أن الاحتشاد هذه المرة جاء في حفل زفاف وكان الحاضرون مدعوين وضيوف عرس، إلا أن أجواء الحفل وحالة التفاعل المبالغ فيها مع دخول أحمد علي وعزف النشيد الوطني في حفل زفاف تكشف عن خطوة قد تكون مباشرة أو غير مباشرة لجس نبض اليمنيين من هذا الظهور، وهو أمر يمكن قياسه نسبيًا ورصده عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

غلب على حفل الزواج أجواء سياسية بحتة، بدءًا من رفع صورة الرئيس الأسبق مرورًا بعزف النشيد الوطني، ومقاطع موسيقية وطنية ارتبطت في ذهنية اليمني بفترة صالح الأب، في حين بدا أحمد علي صالح مندمجًا مع الأجواء بقوة من خلال تفاعله مع الجمهور وحركات يديه، وهو تفاعل مستند إلى شعبية الأب وأفكار أخرى تم تسويقها لليمنيين حتى قبل أن يغادر صالح القصر الرئاسي في 2011.

كانت الفكرة الشائعة لدى غالبية اليمنيين أن أحمد علي عبدالله سيتسلم السلطة بعد والده، وأحد نتائج هذا أن فترة صالح الطويلة في الحكم جعلت الكثير من الناس لا يرون رئيسًا غيره، وهو أمر لا يرتبط بأفضلية صالح ولكن بما تم تمريره للناس خلال تلك الفترة.

إضافة إلى أن حالة التردي والفشل الملازمة لأداء السلطات الحكومية منذ مغادرة صالح الحكم دفعت الناس للتغني بفترة حكمه، وهي فترة ليست نموذجية من حيث العدالة وتوزيع الثروة والحقوق لكنها تبدو في نظر الناس أفضل من المراحل التالية.

وفي حين لم يكن هناك دليل رسمي معلن عن محاولة التوريث هذه، فإن تمكين أولاده وأقاربه والمقربين منه في أهم مفاصل الدولة وتنامي النفوذ الواسع للموالين له في الأجهزة العسكرية والأمنية والمخابراتية، يكشف كيف أن صالح لم يكن مستعدًا لترك كل هذا لرئيس جديد.

عندما وُقعت المبادرة الخليجية في نوفمبر من العام 2011 والتي رتبت انتقال السلطة من صالح إلى نائبه عبدربه منصور هادي، كان هناك عام واحد متبقٍ من فترة صالح الأخيرة التي بدأت في العام 2006 عندما فاز على أقرب منافسيه الوزير الراحل فيصل بن شملان، وهو ما ساهم في أحداث تغييرات كثيرة كان من الممكن أن تدفع بنجل صالح إلى السلطة حينها.

بالعودة إلى الوراء؛ انتخابات 2006 كان صالح قد أعلن قبلها عن نيته عدم الترشح، غير أن ما بدا حينها ضغطًا شعبيًا وسياسيًا من حزب المؤتمر الشعبي العام الذي يرأسه صالح أعاد الأخير إلى المشهد وعدوله عن قراره، وهي فرضية تبدو غير متماسكة بالنظر إلى عقلية الرجل لكن ربما لها ارتباط بصالح الابن.

كان أحمد علي صالح حينها يبلغ من العمر 34 عامًا، وهو أقل من السن المحدد في شروط الترشح للانتخابات الرئاسية بحسب الدستور اليمني، لكن كانت الفرصة ستكون مناسبة في العام 2012 إذ سيكون العمر وقتها 40 عامًا.

والآن وفق الذهنية المؤتمرية فإن نجل صالح تأخر في الوصول للحكم، غير أن السؤال الأهم: ما هي الكيفية التي سيُعاد بواسطتها نجل صالح إلى المشهد السياسي وليس إلى الحكم؛ خصوصًا إذا ما تحدثنا عن رجل لم يلعب دورًا في التحولات السياسية والعسكرية التي شهدتها البلاد منذ إقالته من منصب سفير اليمن لدى الإمارات في العام 2014؟

في المقابل كان اختيار العاصمة المصرية القاهرة، وهي المدينة التي تضم أكبر تجمع لليمنيين من بين الدول العربية، مكانًا لاحتضان حفل الزواج خطوة تبين سعي عائلة الرئيس السابق لجمع اليمنيين من مختلف انتماءاتهم الحزبية والجهوية في وجود صالح الابن، وهي رسالة للجميع بأن هناك مرحلة جديدة قادمة تضم الجميع.

الرسالة كانت للداخل المؤتمري ومنه إلى الأنصار أن العلاقات الداخلية–الداخلية (عائلة صالح) جيدة، حيث حضر طارق صالح بعد عدم التطرق لدوره في أحداث ديسمبر 2017 في الفيلم الوثائقي الذي بثته محطة العربية، على أن هذا الحضور يبدو متوقعًا في مناسبة كهذه لكنها رسالة جيدة للمؤتمريين على الأقل، باعتبار أن تأثيرات ما بعد بث الفيلم الوثائقي في نفس المستوى الذي سيحدثه ما بعد حضور طارق الأخير.

وهي أيضًا للجبهة الشمالية وللحوثيين مع حضور هاشم عبدالله الأحمر، وهو ينتمي لعائلة كانت أحد أشد منافسي صالح، وبالتالي فإن صورة كهذه وإن بدت غير مؤثرة فعليًا لكنها تعني للحوثيين الكثير، إذ تلعب الجماعة على ورقة الصراعات المتجددة بين أقطاب النظام السابق وهي تخشى من أي تقارب بين الطرفين.

 

•بداية العودة

في 31 يوليو 2024 حذفت لجنة العقوبات في مجلس الأمن اسم الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح ونجله أحمد من قائمة العقوبات الخاصة بالأفراد والكيانات المعرقلة لعملية السلام في اليمن، وهي أول خطوة متقدمة من نوعها لصالح عائلة الرئيس الأسبق منذ مقتله.

وصدرت العقوبات بحق الرئيس الأسبق ونجله بشكل منفصل؛ إذ أدرج اسم علي عبدالله صالح في 7 نوفمبر 2014، في حين أُدرج اسم نجله أحمد في 14 إبريل 2015، لكن العقوبات بحق الرجلين شهدت تعديلات عديدة.

وهذا القرار الصادر جاء بعد أيام من مطالبة مجلس القيادة الرئاسي بالإجماع برفع العقوبات عن الرئيس الأسبق ونجله، وهي خطوة وإن بدت محلية لكن من الواضح أن التأثير السعودي والإماراتي يقف خلفها، سواء في دفع رئيس وأعضاء مجلس القيادة الرئاسي للمطالبة برفع العقوبات وهم أعلى سلطة شرعية في البلاد، وصولًا إلى أروقة مجلس الأمن.

وطالب أحمد علي صالح في بيان مجلس الأمن بالنظر في العقوبات المفروضة عليهما.

وبعد مرور عام، أصدرت المحكمة العسكرية المركزية التابعة للحوثيين الحكم بإعدام نجل الرئيس الأسبق ومصادرة ممتلكاته، وتضمن الحكم إدانة أحمد علي بجرائم الخيانة والعمالة والتخابر مع العدو والفساد.

وقرار المحكمة العسكرية الحوثية صدر بعد أيام من بث محطة العربية المملوكة للسعودية فيلمًا وثائقيًا عن الساعات الأخيرة في حياة الرئيس الراحل علي عبدالله صالح قبل مقتله على يد الحوثيين في 4 ديسمبر 2017.

ومنذ مقتل والده، حرص نجل الرئيس الأسبق على إصدار بيانات في 4 ديسمبر كل عام تعيد التذكير بالثأر والانتقام من مليشيا الحوثي والدعوة لتوحيد الجبهة الداخلية واستعادة الجمهورية.

 

•مستقبل أحمد علي

يدور في بال اليمنيين سؤال منذ مدة طويلة بشأن مستقبل أحمد علي صالح حتى قبل أن يُقتل والده على يد حلفائه السابقين الحوثيين في ديسمبر 2017، والسؤال هو: هل هناك مستقبل لصالح الابن؟ وإذا كان الجواب بنعم، فكيف يمكن الوصول إلى موقع متقدم في صدارة المشهد السياسي، وليس حتى في رأس السلطة؟

أولًا، الحل في اليمن بطبيعة الحال لن يخرج عن أمرين: فإما سلام بمواصفات أممية ورعاية دولية وإشراف خليجي، أو لنقل صفقة تُخرج السعودية من المأزق اليمني وإعادة تقاسم للسلطة بين القوى الفاعلة وفق السيطرة على الأرض مع تحديد موعد زمني لانتخابات، أو حسم عسكري ينهي الحوثيين بشكل كامل، أو خطوة عسكرية محدودة تُخرج الحوثيين من صنعاء وتبقيهم في صعدة أو في نطاق يتم تحديده لاحقًا.

تبدو الخيارات محدودة إذا ما تم الافتراض بأن نجل صالح سيعود للمشهد قبل أي انتخابات قادمة، وهو أمر يبدو مؤجلًا بالنظر إلى ضبابية المشهد اليمني العام وحالة الانقسام الموجودة التي تؤخر الحديث عن أي انتخابات قبل حسم المشكلة الرئيسية التي أدت للصراع الذي اندلع في العام 2015.

من الواضح أن عائلة صالح لم تكن غائبة عن المشهد اليمني، إذ كان أقل من عام هو الفيصل في تغير موقف نجل شقيق الرئيس الراحل طارق محمد صالح من التحالف مع الحوثيين إلى تصدر إحدى جبهات الصراع معهم في محافظة الحديدة الساحلية، وهذا التغير ساهم في تصحيح العلاقة بين مؤتمريي صالح والتحالف من جهة، وبين مؤتمريي صالح والأطراف المنضوية في الجبهة المناوئة للحوثيين.

هذا التغير أيضًا ساهم في حصول رجال صالح على بعض المكاسب، منها عودة عدد من قادته بشكل تدريجي إلى مناصب عسكرية ومدنية، ووجود هامش واسع من حرية التنقل والإقامة باتجاه عدن، سواء لمهمات عسكرية وتدريبات أو شخصية، وهي خطوة تبدو غريبة بالنسبة للجنوبيين ممن كانوا شاهدين على عمليات القتل والاعتقال والقمع التي قامت بها قوات الأمن في عهد الرئيس الراحل.

لكن بالحديث عن أحمد علي صالح، لم يكن له أي دور في الصراع سواء إبان تحالف والده مع الحوثيين باستثناء دوره المفترض في سقوط صنعاء بيد الحوثيين، أو بعد انضمام ابن عمه طارق صالح للجبهة المناوئة للحوثي، وهذا بحد ذاته يضع سؤالًا كبيرًا بعيدًا عن موقع تواجده في الإمارات وخروجه من اليمن قبل فترة من بدء الحرب في العام 2015.

والسؤال: هل كانت العقوبات المفروضة على نجل صالح سببًا في عدم إسناد أي دور له في الصراع ضد الحوثيين بعد مقتل والده؟ وهل رفع العقوبات عنه سبب للعودة مجددًا؟

من الواضح أن هناك فكرة معينة ليست جديدة لكنها متجددة بشأن دور أحمد علي صالح، تبدأ من التحالف وتمر بالسلطة الشرعية وتنتهي بالداخل، ومن الممكن أن تتضمن هذه الفكرة التمهيد لعودته إلى منطقة نفوذ قوات المقاومة الوطنية، تمهيدًا للدفع به إما لقيادة حركة تقدم عسكري باتجاه صنعاء، أو تهيئة الأجواء له سياسيًا ضمن أي عملية انتقال للسلطة، وهذا يبدأ من عودته للداخل أولًا.

يمكن القول إن أحمد علي صالح سيعود إلى الداخل قريبًا، في حين كان حفل الزواج الأخير تذكرة جيدة وجس نبض لرأي الشارع في هذه العودة، حيث تبدو الأرضية الآن أفضل نسبيًا مع التحسن الأخير في سعر صرف العملة المحلية، وهو أمر يعزز من فكرة المنقذ أو من سيحافظ على المكاسب.

ومن جانب آخر؛ الخطوات والإصلاحات في الجانب الاقتصادي والمالي من الأساس هي خطوة من الممكن أن تمهد لترتيبات سياسية قادمة قد تعيد تشكيل مجلس القيادة الرئاسي هيكليًا وسياسيًا وفق متغيرات المشهد السياسي في المنطقة والإقليم، وهو ما يترتب عليه الطريقة التي سيتم التعامل بها مع الحوثيين.


التعليقات