في ذكرى هيروشيما: أزمات أوكرانيا والشرق الأوسط تكشف تجاهل العالم لمآسي الأسلحة النووية
يمن فيوتشر - ذا غارديان- ترجمة خاصة الاربعاء, 06 أغسطس, 2025 - 04:48 مساءً
في ذكرى هيروشيما: أزمات أوكرانيا والشرق الأوسط تكشف تجاهل العالم لمآسي الأسلحة النووية

دعا عمدة مدينة هيروشيما قادة الدول النووية الكبرى إلى التخلي عن سياسة الردع النووي، خلال مراسم إحياء الذكرى الـ80 لتدمير المدينة بقنبلة ذرية أمريكية.
وفي صباح يوم الأربعاء، اجتمع السكان والناجون وممثلون عن 120 دولة في حديقة النصب التذكاري للسلام في المدينة، حيث حذّر العمدة كازومي ماتسوي من أن النزاعات الدائرة في أوكرانيا والشرق الأوسط ساهمت في تصاعد القبول العالمي بفكرة امتلاك الأسلحة النووية.

وقال ماتسوي في “إعلان السلام” الذي ألقاه أمام “قبة القنبلة الذرية” – أحد المباني القليلة التي صمدت بعد الهجوم قبل ثمانية عقود – إن:
“هذه التطورات تمثل تجاهلًا صارخًا للدروس التي كان ينبغي على المجتمع الدولي أن يستخلصها من مآسي التاريخ.”
وأضاف: “إن هذه التهديدات تقوّض الأسس التي بُذلت جهود جبارة لبنائها من أجل ترسيخ السلام”، قبل أن يحثّ الشباب على إدراك أن قبول الخيار النووي قد يؤدي إلى “عواقب لا إنسانية على الإطلاق” تهدد مستقبلهم.

ورغم حالة الاضطراب التي يشهدها العالم، شدّد ماتسوي على أن:
“علينا نحن الشعوب ألّا نستسلم أبدًا، بل أن نضاعف جهودنا لبناء توافق مجتمعي مدني يُجمع على أن الأسلحة النووية يجب أن تُلغى بالكامل من أجل تحقيق عالم يسوده السلام الحقيقي.”

وبينما دوّت أصوات التصفيق، أُطلقت حمائم بيضاء في السماء، في حين ظلّت “شعلة السلام الأبدية” مشتعلة أمام النصب التذكاري المخصّص لضحايا أول هجوم نووي في العالم.
ويُنظر إلى هذه المراسم باعتبارها الفرصة الأخيرة التي قد تتيح لعدد كبير من الناجين المُسنّين (هيباكوشا) من كارثتَي هيروشيما وناغازاكي أن ينقلوا شهاداتهم المباشرة حول بشاعة الحرب النووية.

ووفقاً لبيانات وزارة الصحة اليابانية، لا يزال نحو 100,000 ناجٍ على قيد الحياة، ويبلغ متوسط أعمارهم أكثر من 86 عامًا.
وفي مراسم الأربعاء، أُضيفت أسماء وتفاصيل شخصية لأكثر من 4,940 ناجيًا تُوفّوا خلال العام الماضي إلى سجل محفوظ داخل النصب التذكاري، ليرتفع بذلك عدد الوفيات المنسوبة إلى قصف هيروشيما إلى ما يقارب 350,000 شخص.

وفي “إعلان السلام” الذي ألقاه، استعاد العمدة ماتسوي ذكرى امرأة توسلت للحصول على الماء بينما كانت النيران تلتهم المدينة، عقب إلقاء طائرة “إينولا غاي” – وهي قاذفة أمريكية من طراز B-29 – قنبلة يورانيوم تبلغ قوتها 15 كيلوطنًا على هيروشيما في السادس من أغسطس/آب عام 1945، مما أسفر عن مقتل نحو 140,000 شخص بحلول نهاية ذلك العام.
وقال ماتسوي:
“بعد عقود، ما زالت امرأة سمعت ذلك النداء تشعر بالندم لأنها لم تُعطِ تلك الفتاة ماءً.”
وأضاف: “قالت لنفسها إن النضال من أجل القضاء على الأسلحة النووية هو أفضل ما يمكن أن تفعله تكريمًا لأولئك الذين قُضي عليهم.”

وبعد ثلاثة أيام من دمار هيروشيما، ألقت الولايات المتحدة قنبلة بلوتونيوم على مدينة ناغازاكي، مما أسفر عن مقتل 74,000 شخص.
ورغم استمرار الجدل حول ما إذا كانت تلك الهجمات مبرَّرة أخلاقيًا وعسكريًا، لا يزال العديد من الأمريكيين يعتقدون أنها كانت السبب المباشر في استسلام اليابان في 15 أغسطس/آب.

وقالت منظمة “نيهون هيدانكيو”، وهي شبكة وطنية تضم ناجين من القصف الذري، وفازت العام الماضي بجائزة نوبل للسلام، إن البشرية تخوض سباقًا مع الزمن لمواجهة كل من الولايات المتحدة وروسيا – اللتين تمتلكان معًا 90% من أكثر من 12,000 رأس نووي في العالم – إلى جانب باقي الدول النووية.
وجاء في بيان المنظمة:
“لم يعد لدينا الكثير من الوقت، في ظل تهديد نووي يفوق ما شهدناه في أي وقت مضى.”
وأضافت: “أكبر تحدٍّ نواجهه اليوم هو الضغط من أجل تغيير مواقف الدول المالكة للأسلحة النووية ولو بقدر بسيط.”

وفي تمام الساعة 8:15 صباحًا – وهو التوقيت الدقيق لانفجار القنبلة – وقف الحاضرون في هيروشيما دقيقة صمت. وقد خفَض كثيرون رؤوسهم، وأغمضوا أعينهم، وضمّ بعضهم أيديهم للدعاء.
ويُعدّ تقدّم أعمار الناجين من قصف هيروشيما وناغازاكي من أبرز الموضوعات التي تُميّز إحياء هذه الذكرى هذا العام.

وقالت يوشيه يوكوياما، البالغة من العمر 96 عامًا وتستخدم كرسياً متحركًا، للصحفيين أثناء زيارتها الحديقة التذكارية في الصباح الباكر برفقة حفيدها، إن والديها وأجدادها لقوا حتفهم نتيجة قصف هيروشيما.
وأضافت:
“توفي جدي بعد وقت قصير من القصف، بينما توفي والدي ووالدتي لاحقًا بعد إصابتهما بالسرطان. كما توفي والدا زوجي أيضًا، ولذلك لم يتمكن زوجي من رؤيتهما مجددًا عند عودته من ساحات القتال بعد الحرب. المعاناة لا تزال مستمرة حتى اليوم.”

وبحسب التقارير، لم تُرسل روسيا ممثلاً رسميًا لحضور مراسم الأربعاء، في حين شاركت بيلاروس، الحليفة لموسكو، للمرة الأولى منذ أربع سنوات. كما سجلت تايوان وفلسطين حضورهما لأول مرة، وفقًا لما أوردته وسائل إعلام يابانية.

وتواجه الحكومات اليابانية المتعاقبة انتقادات متكررة لرفضها التصديق على معاهدة حظر الأسلحة النووية لعام 2021، التي وقّعتها عشرات الدول، لكنها لا تشمل أية قوة نووية معترف بها، ولا دولًا مثل اليابان، التي تعتمد على “المظلة النووية” الأمريكية.

وعقب وضعه إكليل زهور أمام النُصُب التذكاري، لم يأتِ رئيس الوزراء شيغيرو إيشيبا على ذكر المعاهدة، لكنه قال إن من واجب اليابان – باعتبارها الدولة الوحيدة التي تعرّضت لهجوم نووي – أن تقود الجهود العالمية نحو نزع السلاح النووي.

ومن جانبه، قال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في بيان:
“الأسلحة نفسها التي جلبت هذا الدمار الشامل لهيروشيما وناغازاكي تُعامَل اليوم مجددًا كأدوات للترهيب.”
لكنه أضاف أن فوز منظمة نيهون هيدانكيو بجائزة نوبل للسلام هو “مصدر للأمل”، مشددًا على أن:
“على الدول أن تستمد قوتها من صمود هيروشيما، ومن حكمة الناجين (هيباكوشا).”


التعليقات