خلال حرب الأيام الستة عام 1967، حققت إسرائيل انتصارًا عسكريًا مذهلًا ضد خصوم بدوا حينها ذوي بأس. غير أن هذا النجاح العسكري لم يُترجم إلى تحرك دبلوماسي فعّال؛ ولو أنها فعلت، لكان شكل المنطقة وموقع إسرائيل فيها مختلفًا تمامًا اليوم. ربما لم تكن ترى آنذاك أن لديها خيارًا مطروحًا: فلم تكن تؤمن بوجود شركاء عرب يمكن الوثوق بهم لصنع السلام، كما أن هيمنتها العسكرية لم تكن مضمونة، وهو ما أثبتته الأحداث بعد ست سنوات فقط، عندما شنّت مصر هجومًا مباغتًا وأشعلت حرب يوم الغفران (حرب أكتوبر).
أما اليوم، فالوضع مختلف تمامًا. فبعد حربٍ دامت 12 يومًا مع إيران في يونيو/حزيران، أصبحت إسرائيل في موقعٍ إقليمي وعسكري أقوى بكثير من موقعها عام 1967. لقد تمكّنت من تحييد أبرز التهديدات الإقليمية التي تواجهها، ولم تدخل أي دولة عربية في حرب معها منذ عقود. كما واصلت إنهاك خصومها من الجماعات غير النظامية، محققة إنجازات غير متوقعة في المجالين العسكري والاستخباراتي ضد حزب الله في لبنان خلال صيف العام الماضي، واستمرت في استهداف الصف الأول من قيادة حماس في غزة.
أما هجومها على إيران، فقد أسفر عن نجاح عسكري لا لبس فيه، إذ ألحق أضرارًا كبيرة بمنشآت إيران النووية والصاروخية، وأظهر مدى الاختراق الاستخباراتي الإسرائيلي العميق من خلال عمليات اغتيال جريئة استهدفت كبار القادة العسكريين والعلماء النوويين الإيرانيين. وقد عزز قرار الرئيس الأميركي (دونالد ترامب) الانضمام إلى الهجوم من مكانة رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) على الصعيد الداخلي.
وبطبيعة الحال، فإن مكاسب إسرائيل ليست بلا حدود. فقد شكك خبراء في مدى الضرر الحقيقي الذي لحق ببرنامج إيران النووي، بل إن تلك الضربات ربما ساهمت في تقوية القيادة الإيرانية وزادت من حافزها لعبور العتبة النووية. كما أن هجمات الحوثيين بالصواريخ والطائرات المسيّرة على إسرائيل لا تزال مستمرة، ما يشير إلى أن إضعاف شبكة الوكلاء التابعة لإيران لا يزال مسارًا قيد التنفيذ. وقد أقرّ رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، الفريق أول (هرتسي هليفي)، في تصريحاته أواخر يوليو/تموز، بأن “إيران ومحورها لا يزالون تحت أنظارنا؛ فالمعركة ضد إيران لم تنتهِ بعد”.
ومع ذلك، وعلى الرغم من التحديات المتبقية، فإن الانطباع السائد لدى صناع القرار في إسرائيل هو أن ميزان القوى الإقليمي يميل لصالحها.
ومن الممكن القول إن هذه اللحظة تمثل فرصة استراتيجية لإسرائيل لاستثمار المشهد الجيوسياسي المواتي وتحويل نجاحها العسكري إلى مكاسب دبلوماسية، من خلال إعادة إطلاق المفاوضات مع الفلسطينيين بما يعزز الاستقرار على المدى الطويل، ويفتح الباب أمام مزيد من الدول العربية لتطبيع العلاقات معها. فعقب حرب عام 1973، استثمر الرئيس المصري (أنور السادات) مكاسبه العسكرية في اتخاذ قرار استراتيجي بالذهاب نحو السلام.
لكن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لا يقود بلاده في هذا الاتجاه. فإصراره على تحقيق “نصر كامل” غذّى حملة عسكرية مدمّرة بلا هوادة في غزة وخارجها، من دون اكتراث يُذكر لما ألحقته من أضرار بعلاقات إسرائيل الإقليمية والدولية، ناهيك عن الكلفة الإنسانية الفادحة.
وإلى الحد الذي يفكر فيه نتنياهو في المستقبل، فإنه ينظر إلى النجاحات العسكرية التي تحققت خلال الأشهر الثمانية عشر الماضية كفرصة لصياغة نظام إقليمي جديد يخدم أجندته القصوى. إذ يعتقد نتنياهو أنه قادر على الدفع باتجاه اتفاقات تطبيع وعدم اعتداء مع قوى عربية مثل لبنان والسعودية وسوريا، من دون تقديم تنازلات جوهرية في المسألة الفلسطينية، أو فرض قيود تُذكر على حرية التحرك العسكري الإسرائيلي خارج الحدود.
ومع أن إسرائيل قد تحرز بعض التقدم المحدود في هذه الاتفاقات بعد انتهاء الحرب في غزة، إلا أن أي ترتيبات إقليمية لا تتناول جوهر الصراع الإسرائيلي–الفلسطيني لن تحظى سوى بدعم شعبي ضعيف - إن وُجد - داخل الدول المجاورة، ومن المرجّح أن تمهّد لموجات جديدة من الصراع بدلاً من إنهائه.
⸻
موقف قوة؟
في أوائل يوليو/تموز، وخلال زيارته الثالثة للبيت الأبيض خلال أقل من ستة أشهر، أدلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتصريحات تعكس رؤيته لما قد تتيحه النجاحات الإسرائيلية من فرص جديدة، حيث قال متفاخرًا: “أعتقد أن الجميع بات يدرك أن الوضع قد تغيّر. حيث كانت إيران تدير سوريا فعليًا، من خلال حزب الله بشكل مباشر. وقد جثا حزب الله على ركبتيه، وأُقصيت إيران عن المشهد. وأرى أن هذا يفتح الباب أمام فرص للاستقرار، وللأمن، وفي نهاية المطاف للسلام”.
وقد عبّر العديد من المراقبين عن أملهم في أن يؤدي وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران في يونيو/حزيران إلى إعادة إحياء المسار الدبلوماسي بشأن غزة، بعد أشهر من الجمود. ووفق هذا المنطق، فإن نجاح نتنياهو في مواجهة إيران قد يزيل مخاوفه من أن إنهاء الحرب سيُهدد مستقبله السياسي. بل إن استطلاعات الرأي تشير إلى أن غالبية الإسرائيليين يؤيدون إنهاء القتال في غزة لتسهيل الإفراج عن الرهائن الإسرائيليين الذين لا تزال حماس تحتجزهم.
وبالفعل، استؤنفت المفاوضات من أجل التوصل إلى وقف لإطلاق النار في السادس من يوليو/تموز في الدوحة، إلا أنها لم تفضِ إلى اتفاق، كما أن الصفقة المطروحة لم تكن لوقف دائم للحرب، بل لتهدئة مؤقتة محدودة، تشمل الإفراج الجزئي عن رهائن وأسرى.
وفي هذه الأثناء، يواصل القادة الإسرائيليون الدفع بخطط لإعادة تموضع سكان غزة في “مناطق إنسانية” محدودة في جنوب القطاع، وسط فهم واسع بأن الهدف الأبعد هو التهجير التدريجي للفلسطينيين من القطاع. وقد اعتبر عدد من الباحثين الإسرائيليين، حتى موشيه يعلون، الرئيس السابق لأركان الجيش الإسرائيلي، أن هذه الخطوات ترقى إلى جرائم حرب.
ويبدو أن المسؤولين الإسرائيليين يعتقدون أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يدعم خططهم الرامية إلى تهجير سكان غزة، وهي خطط تتماشى مع مقترح سابق لترامب بإعادة توطين الفلسطينيين خارج القطاع، وتحويل غزة إلى “ريڤييرا الشرق الأوسط”.
ورغم أن إسرائيل تقول إنها لا تنوي البقاء في غزة، إلا أنها باتت تسيطر فعليًا على معظم مناطق القطاع. وعند سؤاله عن الأوضاع ما بعد الحرب، صرّح سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة لصحيفة ذا غارديان قائلاً: “أعتقد أننا سنتأكد، من حيث الأمن، من أن لدينا القدرة على التحرك في غزة، على نحو مشابه لما يحدث اليوم في يهودا والسامرة”، وهو المصطلح الذي يستخدمه بعض الإسرائيليين للإشارة إلى الضفة الغربية المحتلة.
وبمعنى آخر، إن الاحتلال العسكري الإسرائيلي لتلك الأراضي مرجّح أن يستمر في المستقبل المنظور، بل وقد تُصعّد إسرائيل الأمور من خلال ضم الضفة الغربية، وربما أجزاء من غزة أيضًا.
وتشير كل هذه التطورات إلى أن الحرب الإسرائيلية مع إيران لم تُغيّر القناعات القديمة لنتنياهو حيال المنطقة. فبالنسبة له، تثبت الانتصارات العسكرية أن القوة تؤتي ثمارها، مما يجعل التوصل إلى تسوية مع الفلسطينيين أمرًا غير ضروري لتحقيق أهدافه الإقليمية الأوسع. ووفقًا لهذا المنظور، على المنطقة أن تتكيّف مع التوجهات الإسرائيلية، لا العكس.
ومن وجهة نظر نتنياهو، فإن القادة العرب يتطلعون للاستفادة من التفوق التكنولوجي والعسكري الإسرائيلي. وعلى الرغم من أن العالم العربي أبدى معارضة قوية للحرب على غزة عبر بيانات رسمية وقمم طارئة، إلا أن أياً من أطراف “اتفاقات أبراهام” لم ينسحب منها. كذلك، لم تُلوّح مصر أو الأردن بإلغاء معاهدات السلام الموقعة مع إسرائيل؛ بل ساهمت الأردن في الدفاع عن إسرائيل ضد هجمات إيرانية العام الماضي.
وقد أصدرت دول عربية بيانات تندد بالغارات الإسرائيلية على إيران الشهر الماضي، لكن نتنياهو ظل يعتقد أن تلك الدول متحالفة في جوهرها مع الجهود الإسرائيلية الهادفة إلى تقليص نفوذ إيران، باعتبارها ـ لا إسرائيل ـ التهديد الاستراتيجي الأهم في المنطقة.
غير أن الواقع الإقليمي قد لا يكون بالمرونة التي يتصورها نتنياهو، حتى في ظل دعم الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
قراءات خاطئة وحسابات مضللة
أكثر الاتفاقات الإقليمية طموحًا هي تلك التي يُسعى لإبرامها بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، باعتبارها قوة إقليمية بارزة وقائدة محورية في العالمين العربي والإسلامي. وقد بذلت إدارة الرئيس الأميركي (جو بايدن) جهودًا كبيرة لتسهيل هذا الاتفاق، وذهب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى حد الإعلان، من منبر الأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول 2023، أن إسرائيل على “عتبة” اتفاق تاريخي مع السعودية.
لكن، رغم هذه التصريحات، لم يكن من الواضح إطلاقًا أن الاتفاق بات وشيكًا كما زعم نتنياهو. بل إن السعودية شددت بشكل كبير من موقفها عقب اندلاع الحرب في غزة. فقد عبّر وزير الخارجية السعودي، الأمير (فيصل بن فرحان آل سعود)، بصراحة تعكس ثوابت السياسة السعودية، عن أن التطبيع مع إسرائيل “ليس مطروحًا على الطاولة قبل التوصل إلى حل يفضي إلى إقامة دولة فلسطينية”.
وقد يعتقد بعض الإسرائيليين أن الاهتمام بالحرب في غزة سيتراجع في نهاية المطاف، ما سيُتيح للسعوديين القبول باتفاق أقل طموحًا؛ فالتقارب مع إسرائيل، من وجهة نظرهم، قد يُعزز موقع المملكة لدى ترامب، ويوفر لها مكاسب في مجالات الاقتصاد والاستخبارات والأمن.
لكن من غير المرجّح أن تتبنى الرياض هذه الرؤية. فقد وجدت السعودية طرقًا أخرى للتقارب مع ترامب من دون الحاجة إلى ملف التطبيع، بما في ذلك تعهدات باستثمارات اقتصادية ضخمة وصفقات سلاح، خلال زيارته للمملكة في مايو/أيار الماضي. كما أن القيادة السعودية أنفقت الكثير من رصيدها السياسي في ربط التطبيع مع إسرائيل بقيام دولة فلسطينية، الأمر الذي يجعل من الصعب عليها التراجع والاكتفاء بوعود شكلية، خصوصًا في ظل حكومة إسرائيلية لا تقدم حتى الحد الأدنى من هذا الاعتراف.
ولم تُغيّر الحرب بين إسرائيل وإيران من القناعات الراسخة التي يتبناها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو حيال المنطقة. بل على العكس، زادت تلك الحرب من تعقيد المواقف العربية. فقد سعت قوى إقليمية، مثل المملكة العربية السعودية، في السنوات الأخيرة إلى تطبيع العلاقات مع إيران، إلى حد بعيد بهدف تجنب التصادم المباشر معها. وتتركز أولويات السعودية ودول الخليج الأخرى على الملفات الداخلية وخطط تنويع الاقتصاد، في وقت لا تخدم فيه الحروب هذه الأهداف.
ورغم أن دول الجوار الإسرائيلي رحّبت ضمنيًا بإضعاف القدرات العسكرية الإيرانية، إلا أنها لم تحتفل بالهجمات الإسرائيلية، التي دفعت بالمنطقة إلى حافة حرب شاملة. فالهجوم الإيراني المضاد على قاعدة أميركية في قطر — والذي صُمم لتفادي وقوع ضحايا وتجنّب التصعيد — كان مع ذلك تذكيرًا قويًا بأن الصراع بين إسرائيل وإيران والولايات المتحدة يُعرّض دول الخليج لمخاطر مباشرة. وقد واصلت السعودية التواصل مع إيران والدفع نحو الدبلوماسية بدل المواجهة العسكرية، وهو ما تجلى في استضافة الرياض لوزير الخارجية الإيراني في أول زيارة له إلى دولة خليجية منذ الهجوم الإيراني على قطر.
ورغم أن الدول العربية المجاورة لإسرائيل قد ترحب بإبقاء إيران محاصَرة، إلا أنها تبدي قلقًا متزايدًا إزاء إسرائيل غير المقيّدة، التي بات يُنظر إليها بشكل متزايد على أنها عامل زعزعة للاستقرار الإقليمي، لا عامل إنقاذ. ففي سوريا، على سبيل المثال، تسود قناعة بأن إسرائيل تشجع الانقسامات وتُقوّض جهود الحكومة الجديدة لتوحيد البلاد. ففي منتصف يوليو/تموز، وبعد موجة من العنف الطائفي في جنوب سوريا، شنّت إسرائيل ضربات جوية استهدفت منشآت حكومية في دمشق. وزعم المسؤولون الإسرائيليون أن الهدف من الهجوم هو حماية الأقلية الدرزية في سوريا، “وفاءً للعهد الدموي العميق الذي يجمعنا بدروز إسرائيل”، ولضمان “نزع السلاح من المنطقة المحاذية لحدودنا مع سوريا”.
لكن الزعيم السوري (أحمد الشرع) وصف التدخل الإسرائيلي بأنه “مؤامرة لتقسيم سوريا وزعزعة استقرارها”. من جانبه، قال (توماس باراك)، الحليف المقرب من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والذي يشغل منصب المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا وسفير الولايات المتحدة في تركيا، إن الضربات الإسرائيلية “جاءت في توقيت سيئ”، وأعاقت الجهود الرامية إلى استقرار المنطقة.
وفي الواقع، تؤكد الضربات الإسرائيلية على دمشق أن نتنياهو لا يسيء قراءة الموقف مع جيرانه العرب فحسب، بل ربما يخطئ التقدير حتى في فهم موقف ترامب. فقد ركّزت إدارة ترامب، منذ سقوط الرئيس السوري (بشار الأسد) في عام 2024، على التوصل إلى اتفاق بين إسرائيل وسوريا. وكانت القيادة السورية الجديدة تُبدي اهتمامًا استثنائيًا بإبرام ترتيبات أمنية جديدة، في إطار سعيها للحصول على انفراجة اقتصادية تتيح لها إعادة إعمار البلاد.
وفي هذا السياق، دعمت إدارة ترامب رفع العقوبات عن سوريا، وأبدى الرئيس الأميركي دعمه السياسي الواضح للحكومة السورية الجديدة من خلال لقائه البارز مع أحمد الشرع في الرياض خلال شهر مايو/أيار. وتسعى إدارة ترامب الآن إلى جني ثمار استثماراتها السياسية والاقتصادية في سوريا عبر اتفاق إسرائيلي–سوري، مع التطلّع، في السيناريو الأمثل، إلى إعلان انضمام سوريا إلى “اتفاقات أبراهام”.
غير أن نتنياهو جعل من هذا الاتفاق أمرًا أكثر تعقيدًا بسبب النهج العسكري العدائي الذي تتبعه إسرائيل داخل سوريا، وهو نهج يرى فيه بعض المحللين تجاوزًا غير ضروري، يؤدي إلى خلق أعداء جدد لا حاجة لهم، في وقت لا تملك فيه سوريا حاليًا القدرة على تهديد إسرائيل فعليًا.
العودة إلى المربع الأول
قد يكون نتنياهو محقًا في اعتقاده أن جيران إسرائيل يبدون احترامًا لموقعها الجديد من القوة، لكنه يخطئ مرارًا في تقدير ردود أفعالهم، خاصة عندما تُمارس هذه القوة من دون غاية سياسية واضحة أو من دون مراعاة لمصالحهم. فالقادة العرب، الذين يواجهون تحديات داخلية جسيمة، سيجدون صعوبة في إبرام اتفاقات تطبيع واسعة مع إسرائيل في ظل عداء شعبي متزايد تجاهها داخل مجتمعاتهم.
ومن خلال مواصلة نهجه الحالي تجاه الفلسطينيين، قد ينتهي الأمر بنتنياهو إلى حرب دائمة في غزة، واضطرابات في الضفة الغربية، وجهود مستمرة لإحداث فوضى في إيران، من دون تحقيق أي تقدم على مسار التطبيع مع الجيران العرب — كل ذلك بينما تتدهور صورة إسرائيل الدولية كما لم يحدث من قبل.
لكن هناك بدائل أخرى ممكنة. إذ يمكن لقادة إسرائيل أن يأخذوا المبادرات العربية بجدية، وهي المبادرات التي تهدف إلى تقديم مساعدات إنسانية، وتحقيق الاستقرار، والمساهمة في إعادة إعمار غزة، من دون حماس، ومن دون تهجير السكان من منازلهم. إلا أن الحكومة الإسرائيلية رفضت هذه المبادرات، وكذلك فعلت إدارة ترامب.
وبوسع إسرائيل أن تختار مسارات أخرى، وقد فعلت ذلك من قبل. فقد أدرك رؤساء وزراء سابقون أن الصراع مع الفلسطينيين يُشكّل التهديد الوجودي الأخطر على إسرائيل. أما نتنياهو، فقد سعى إلى إثبات العكس، محاولًا أن يُظهر أنه من الممكن تهميش الفلسطينيين وتفريغ تطلعاتهم الوطنية من مضمونها، من دون أن يُعرّض قبول إسرائيل الإقليمي أو أمنها للخطر.
وقد سُخر من (شمعون بيريز) حين تحدّث عن “شرق أوسط جديد” يقوم على التعاون الاقتصادي والتكامل الإقليمي، مستندًا إلى سلام عادل مع الفلسطينيين. لكن الحديث اليوم عن شرق أوسط “سلمي” قائم على الهيمنة العسكرية الإسرائيلية، ومن دون أي أفق سياسي للفلسطينيين، لا يقل خيالية، بل إنه أكثر خطورة. إذ لن يقود إلا إلى إعادة إسرائيل إلى نقطة البداية.
للاطلاع على المادة من موقعها الأصلي يرجى زيارة الرابط التالي :