تُحكم إسرائيل سيطرتها على الأجواء الإيرانية، مما يتيح لها توسيع نطاق ضرباتها الجوية بسهولة، إلا أن خبراء يرون أنها ستواجه صعوبة في توجيه ضربة قاضية للمواقع النووية المدفونة بعمق دون انضمام الولايات المتحدة إلى الحملة.
ورغم رد إيران بضربات صاروخية قاتلة على مدن إسرائيلية، أظهرت إسرائيل تفوقها العسكري والاستخباراتي، حيث عبرت مقاتلاتها أجواء الشرق الأوسط مستهدفة منشآت نووية إيرانية، ومستودعات صواريخ، وعلماء، وقادة عسكريين إيرانيين.
يوم الإثنين، أعلن عدد من المسؤولين الإسرائيليين تحقيق "تفوق جوي" فوق إيران، وشبه الجيش ذلك بسيطرته على الأجواء في مناطق صراع أخرى مع أعداء تدعمهم إيران، مثل غزة ولبنان.
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وصف السيطرة على الأجواء الإيرانية بأنها "تغيّر قواعد اللعبة"، بينما قال مستشار الأمن القومي تساحي هنغبي إن الطيارين الإسرائيليين أصبحوا قادرين على استهداف "عدد لا يُحصى من الأهداف" في طهران، بفضل تدمير "عشرات البطاريات" من الدفاعات الجوية.
ومع ذلك، يعترف بعض المسؤولين الإسرائيليين علنًا بأن القضاء الكامل على البرنامج النووي الإيراني مستحيل من دون تدخل الولايات المتحدة، التي تمتلك قاذفات استراتيجية قادرة على حمل قنابل خارقة للتحصينات.
أندرياس كريغ، المحاضر في كلية كينغز للدراسات الأمنية في لندن، قال إن إسرائيل حققت "نجاحات عملياتية وتكتيكية كبيرة... لكن تحويل ذلك إلى نجاح استراتيجي يتطلب أكثر مما يمكن أن يحققه التفوق الجوي وحده".
وأشار إلى أن حتى أقوى القنابل الأميركية قد لا تنجح في تدمير المنشآت الإيرانية الأكثر تحصينًا، مرجحًا أن تكون هناك حاجة لقوات خاصة على الأرض في حال قرر الرئيس دونالد ترامب الانضمام للهجوم.
ورغم ذلك، قال كريغ: "بإمكان إسرائيل الآن أن تتحرك دون رادع، كما فعلت في لبنان".
وكانت إسرائيل قد بدأت حملتها يوم الجمعة، مبررة ذلك بأن طهران كانت على وشك تصنيع قنبلة نووية، وهو ما تنفيه إيران باستمرار.
وفيما تقول إيران إنها أسقطت طائرات إسرائيلية، تنفي تل أبيب ذلك وتؤكد أن جميع الطواقم والطائرات عادت سالمة، رغم أن الرحلة ذهاباً وإياباً تتجاوز 3000 كيلومتر.
ونقل مصدر دفاعي غربي أن الطائرات الإسرائيلية تتزود بالوقود في الأجواء السورية، التي كانت معقلاً للنفوذ الإيراني حتى سقوط بشار الأسد في ديسمبر، مضيفًا أن إسرائيل باتت تعمل هناك بـ"حرية شبه كاملة".
•أصداء من لبنان
تشبه الحملة الإسرائيلية الحالية الهجوم المدمر الذي شنته العام الماضي ضد "حزب الله" في لبنان، والذي بدأ باغتيال قادة الصف الأول، بينهم الأمين العام حسن نصرالله.
ونقلت رويترز عن مسؤولَين أميركيين أن الرئيس دونالد ترامب رفض مؤخراً خطة إسرائيلية لاغتيال المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي.
نتنياهو لم يستبعد استهداف خامنئي، وقال إن ذلك قد يُنهي الصراع.
وفي خطوة مشابهة لحملة 2024 في لبنان، أصدرت إسرائيل الاثنين تحذيراً بالإخلاء لمنطقة محددة في طهران، تمهيداً لضرب "البنية التحتية العسكرية للنظام الإيراني"، حسب منشور على منصة "إكس".
وذكر مصدر استخباراتي إقليمي أن إسرائيل أسست "شبكة مذهلة" من العملاء داخل طهران، وشبّه عمليات الاغتيال الأخيرة بتلك التي استهدفت قيادة "حزب الله". وأضاف أن قدرة إسرائيل على "اختراق طهران من الداخل" كانت "مدهشة".
من جهته، قال جاستن برونك، الباحث في المعهد الملكي للدراسات الدفاعية (RUSI) بلندن، إن إيران تمتلك "قليلًا من الحلول التقنية" أمام المزيج من طائرات F-35 القادرة على شن حرب إلكترونية ضد الدفاعات الجوية، مدعومة بطائرات F-16 وF-15 المزودة بصواريخ دقيقة التوجيه.
أما المحلل الدفاعي التركي بارين كاياوغلو، فرأى أن وتيرة ودقة الضربات الإسرائيلية، لا سيما ضد قادة عسكريين كبار، فاجأت كثيرين، معتبراً أن الجيش الإيراني بدا وكأنه "نائم على المقود".
ومع ذلك، أشار كاياوغلو إلى أن إسرائيل قد تجد صعوبة في الحفاظ على هذا الزخم بسبب الحاجة لتعويض الذخائر وصيانة الطائرات.
•شحنات أسلحة
كانت وسائل إعلام إسرائيلية قد أفادت في أبريل بوصول شحنة ضخمة من القنابل الأميركية، من بينها قنابل خارقة للتحصينات.
وفي بداية الهجوم الأخير، أعلنت إسرائيل أن عناصر من "الموساد" دمروا مزيداً من أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية من داخل البلاد.
وعلى الرغم من تفوقها الجوي، تعترف إسرائيل بأن قواتها لا يمكنها القضاء الكامل على البرنامج النووي الإيراني، بل تسعى لتقليصه إلى أقصى حد ممكن.
وقال مسؤول أمني إسرائيلي سابق إن إلحاق ضرر كبير بمنشأة "فوردو" المحصنة تحت الجبل، جنوب طهران، يتطلب دعمًا عسكريًا أميركيًا، لكن إسرائيل لا تعوّل كثيرًا على تدخل واشنطن.
وأشار إلى أن إسرائيل ركزت حتى الآن على منشأتي "نطنز" و"أصفهان"، ولم تستهدف "فوردو" بعد.
وختم بالقول: "إذا انتهى النزاع وإيران ما تزال تملك قدرة محدودة على تخصيب اليورانيوم، لكنها فقدت البنية التحتية والأفراد اللازمين لتطوير سلاح نووي، فإن ذلك سيكون إنجازاً كبيراً".
من جهتها، قالت إميلي هاردينغ من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، إن الرأي السائد هو أن إسرائيل لا تستطيع القضاء على المنشآت النووية المدفونة بعمق، لكنها "لمّحت بقوة إلى امتلاكها لقدرات تتجاوز هذا التقدير".
وأضافت: "قدرتها على التحليق بحرية فوق الأهداف تتيح تنفيذ طلعات متعددة يمكن أن تُلحق أضراراً كبيرة".