تحليل: التمدد شرقا.. أهداف المجلس الانتقالي الجنوبي وحسابات أبوظبي
يمن فيوتشر - حسام ردمان: الثلاثاء, 16 ديسمبر, 2025 - 05:34 مساءً
تحليل: التمدد شرقا.. أهداف المجلس الانتقالي الجنوبي وحسابات أبوظبي

بالنسبة لعيدروس الزبيدي، فإن استقلال الدولة الجنوبية يبدأ عمليًا بفرض سيطرة عسكرية كاملة على جميع المحافظات الممتدة من عدن إلى المهرة. وبعد ذلك فقط يُستكمل الاستقلال رسميًا عبر نيل الاعتراف الدولي.

لهذا السبب، ظل التمدد شرقًا وصولًا إلى حضرموت والمهرة هدفًا محوريًا لدى قيادة المجلس الانتقالي، باعتباره أشبه بـ“الحد الأخير” في مشروعه. ولم يتوقف عن الحشد سياسيًا وعسكريًا لأجل هذا الهدف، حتى مع انخراطه رسميًا ضمن الحكومة اليمنية الشرعية المعترف بها دوليًا عقب اتفاق الرياض 2019.

وفي عام 2022، حقق المجلس الانتقالي أولى نجاحاته في التمدد شرقًا، عندما تحركت قواته إلى محافظتي أبين وشبوة، مستفيدًا من التحولات في موازين القوى في الجنوب عقب إزاحة الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي ونائبه علي محسن الأحمر، وتشكيل مجلس القيادة الرئاسي، وتراجع نفوذ حزب الإصلاح.

ومع مطلع عام 2023، بدأ المجلس الانتقالي تحركاته باتجاه حضرموت، ولديه مطلب واضح: إخراج قوات المنطقة العسكرية الأولى من وادي حضرموت، وتعزيز نفوذ القوات الجنوبية وقوات النخبة الحضرمية – وهي قوة أخرى مدعومة من الإمارات – داخل المحافظة. إلا أن هذه المحاولات اصطدمت مرارًا بمعارضة السعودية وسلطنة عُمان، اللتين استندتا إلى دعم شريحة واسعة من القوى الفاعلة في حضرموت.

وعلى مدى ثلاث سنوات، فشلت محاولات المجلس الانتقالي في التوسع شرقًا، ما عزز الانطباع بأن “الخطوط الحمراء” التي أعلنتها السعودية في جنوب اليمن ستظل عصية على التجاوز. غير أن شهر ديسمبر حمل مفاجأة استراتيجية كبيرة؛ ففي غضون أيام قليلة، سيطر المجلس الانتقالي بسرعة على معظم حضرموت، وتقدم إلى محافظة المهرة دون مقاومة تُذكر.

لم يكن المجلس الانتقالي ليحسم الصراع بهذه السرعة لولا الأخطاء الاستراتيجية التي ارتكبها خصومه. فمن جهة، أدت مساعي الزعيم القبلي عمرو بن حبريش لتشكيل قوة عسكرية خارج مؤسسات الدولة إلى تقويض “الإجماع الحضرمي” الذي ترسخ منذ 2016، والذي قام على أساس تعزيز الاستقلالية المالية والإدارية للمحافظة ونبذ أي صراعات مسلحة داخلها. وقد عبرت غالبية القوى السياسية والاجتماعية المحلية عن هذا الالتزام، بما في ذلك شخصيات حليفة للمجلس الانتقالي، مثل نائب رئيس المجلس الانتقالي أحمد بن بريك، وعضو مجلس القيادة الرئاسي ومحافظ حضرموت السابق فرج البحسني.

لكن تحركات بن حبريش (وهو رئيس حلف قبائل حضرموت، ورئيس مؤتمر حضرموت الجامع)، وتشكيله ما عُرف بقوات حماية حضرموت، كسرت هذا الإجماع وسمحت بعسكرة الصراع، وحولت ميزان القوة لصالح الطرف الأكثر خبرة وتنظيمًا: المجلس الانتقالي، الذي أنشأ ذراعًا مسلحًا باسم قوات الدعم الأمني، واستغل تمرد بن حبريش واقتحام أنصاره للمنشآت النفطية كذريعة سياسية وقانونية للدفع بقوات عسكرية كبيرة إلى المحافظة.

وارتكبت السعودية خطأً مشابهًا لخطأ بن حبريش. فمنذ عام 2023، حددت الرياض مصالحها في حضرموت بالحفاظ على توازن دقيق للقوى: تتولى الإمارات وقوات النخبة الحضرمية السيطرة على الساحل، فيما تحتفظ السعودية والمنطقة العسكرية الأولى بالسيطرة على الوادي والصحراء. غير أن السعودية، وبحلول عام 2025، بدأت ترى في تنامي التصعيد في حضرموت فرصة لتعزيز نفوذها من خلال نشر قوة موالية جديدة رأت فيها قدرًا أكبر من الانضباط والفاعلية، هي قوات “درع الوطن”.

وهنا تكمن المفارقة؛ فالمجلس الانتقالي عارض وجود المنطقة العسكرية الأولى باعتبارها قوة “شمالية”، بينما رأت فيها السعودية قوة ضعيفة ومخترقة وغير قادرة على الحد من تهريب السلاح. وقد تقاطعت مصالح الطرفين في الضغط من أجل إخراج المنطقة العسكرية الأولى وإنهاء تمرد بن حبريش، لكن الخلاف سرعان ما ظهر حول الجهة التي ستملأ الفراغ.

وخلال أيام معدودة، أثبتت أبوظبي وحلفاؤها الميدانيون تفوقًا عملياتيًا واضحًا، حيث سيطرت قوات المجلس الانتقالي بسرعة على وادي حضرموت والمهرة. في المقابل، بدت الرياض مرتبكة، تحاول استيعاب ما جرى، وقد فاجأها وتسبب في غضبها تجاهل خطوطها الحمراء.

على المستوى المحلي، كان للمجلس الانتقالي على الدوام دوافعه الخاصة للتقدم شرقًا، لكنه لم يكن ليغامر بتحدي السعودية وسلطنة عُمان دون وجود غطاء إماراتي قوي.

أما إقليميًا، فإن مكاسب أبوظبي لا تقل أهمية عن مكاسب حليفها؛ فخلال وقت قصير، أصبحت الإمارات الفاعل الجيوسياسي الأوسع نفوذًا في اليمن، انطلاقًا من الساحل الغربي على مشارف مدينة الحديدة، ومرورًا بالعاصمة المؤقتة عدن، ووصولًا إلى حضرموت والمهرة شرقًا. كما شكلت التطورات في حضرموت والمهرة خطوة استباقية لإحباط أي محاولات إقليمية لإحياء العملية السياسية اليمنية أو “خارطة الطريق” التي كانت بالأساس نتيجة تفاهمات إقليمية ثنائية بين إيران والسعودية من أجل إنهاء الحرب.

وفي المرحلة المقبلة، يُرجح أن تسعى أبوظبي إلى تحقيق هدفين رئيسيين في أي تفاوض مع الرياض: توسيع حصة حلفائها المحليين في هياكل السلطة الشرعية، وضمان دور فاعل لها في صياغة مستقبل العملية السياسية في اليمن. وفي المقابل، قد تمارس الإمارات ضغوطًا على المجلس الانتقالي لتقديم تطمينات للسعودية ومسقط، من خلال سحب بعض القوات الجنوبية التي نُشرت مؤخرًا في حضرموت والمهرة، والاكتفاء بنشر قوات محلية أخف تسليحًا، وقبول صيغة نفوذ عسكري مشترك مع السعودية، خصوصًا فيما يتعلق بقوات درع الوطن.

لكن في حال فشل أبوظبي في التوصل إلى تفاهمات ثنائية مع الرياض، أو إذا شعر المجلس الانتقالي بأنه يدخل مرحلة استنزاف – سياسيًا في عدن عبر شلل الحكومة وتفاقم الأعباء الاقتصادية، وعسكريًا في حضرموت – فقد يتجه الطرفان إلى خيارات أخرى، مثل فرض الإدارة الذاتية أو تشكيل حكومة جنوبية مصغرة. وقد تدعم الإمارات هذه الخطوات كورقة تفاوضية، فيما سينظر إليها المجلس الانتقالي باعتبارها خطوة استراتيجية على طريق تحقيق هدفه النهائي.


التعليقات