تقرير: الحوثيون وشبكات الصومال.. منظومة تهريب تحاول تطويق البحر الأحمر
يمن فيوتشر - محمد الحربي السبت, 21 يونيو, 2025 - 03:16 مساءً
تقرير: الحوثيون وشبكات الصومال.. منظومة تهريب تحاول تطويق البحر الأحمر

مع اتساع رقعة النفوذ الحوثي في اليمن، لم تعد الجماعة مجرد فاعل داخلي متمرد قدر ما باتت تشكل جزءًا من شبكة إقليمية عابرة للحدود، ترتبط بشكل وثيق بجماعات مسلحة وتنظيمات غير نظامية في منطقة القرن الإفريقي وعلى رأسها "شباب الصومال". هذه العلاقة، التي بدأت منذ سنوات بدوافع براغماتية، تطورت لتصبح أحد أبرز مسارات تهريب السلاح والوقود والمخدرات في البحر الأحمر.

ويجمع مراقبون ومحللون أن هذا التحالف يهدد استقرار اليمن إلى جانب أمن الملاحة الدولية والإقليمية برمته.

 

*شبكة تهريب مهندسة بإشراف إيراني*

الكاتب والمحلل السياسي عبدالستار الشميري يرى أن العلاقة بين الحوثيين و"شباب الصومال" ليست حديثة أو طارئة، وإنما هي امتداد لسنوات لسياسات إيرانية في بناء شبكات تهريب متكاملة في الإقليم.
يقول الشميري: "جماعة الحوثي أُدمجت في شبكة منظمة تشرف عليها إيران وتشارك فيها جماعات مسلحة وقرصنة بحرية من الصومال، وهي قائمة على تبادل المنافع والأسلحة والموارد المالية". 
ويضيف أن الحرس الثوري الإيراني هو من أشرف على تصنيع قوارب تهريب استخدمتها هذه الجماعات لتهريب الوقود الإيراني والفحم النباتي الصومالي، وحتى المواد المرتبطة باليورانيوم نحو وجهات متعددة، منها إيران.

وتعد تجارة الفحم الصومالي من أبرز الموارد المالية لهذه الجماعات، حيث يتم تهريبه إلى إيران ثم يعاد تغليفه وتسويقه على أنه "فحم إيراني"، بما يخالف قرارات مجلس الأمن التي تحظر تجارة الفحم غير المشروعة من الصومال.
وأشار تقرير لمبادرة الشفافية في الصناعات الاستخراجية (EITI) إلى استخدام هذا النوع من التجارة لتمويل نشاط الجماعات المسلحة في شرق إفريقيا، ما يجعلها مصدر قلق أمني واقتصادي متزايد.

 

*الحوثي من مستفيد إلى وسيط إقليمي*

في هذا السياق، تطور دور الحوثيين من مجرد مستفيد من شبكة التهريب، إلى وسيط إقليمي فاعل فيها، بعدما أصبحوا طرفًا مركزيًا في إعادة توزيع الأسلحة القادمة من إيران أو من جهات أخرى عبر الصومال إلى جماعات مسلحة مختلفة، بما فيها "شباب الصومال".
وتشير أدلة ميدانية إلى تبادل للطائرات المسيّرة والأسلحة النوعية بين الطرفين.

وأكدت تقارير أممية ودولية تورط إيران في دعم أنشطة تهريب الأسلحة إلى الحوثيين عبر البحر الأحمر.
وفي تقرير صادر عن لجنة خبراء مجلس الأمن لعام 2024، تم التأكيد أن الحوثيين تلقوا تدريبات في إيران ولبنان، وأنهم يستخدمون أسلحة تطابق ما تملكه طهران. كما أوضح معهد المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة أن مسارات التهريب تمر عبر سواحل جيبوتي وشمال الصومال، ومن ثم إلى موانئ صغيرة خاضعة للحوثيين مثل "اللُّحية"، حيث يجري تهريب السلاح والأسمدة والمتفجرات.

 

*استغلال هشاشة الدولة الصومالية*

يرى يعقوب السفياني، مدير مركز "24 سوث"، أن الحوثيين بارعون في استغلال هشاشة الدولة الصومالية خاصة في المناطق الساحلية، حيث تنعدم الرقابة الفعلية، مشيرًا إلى أن العلاقة بين الحوثيين وبعض الفاعلين المحليين ليست تحالفًا مؤسسًا بل شراكة ظرفية قائمة على المنفعة المتبادلة. 
وتظهر البيئة البحرية الهشة على سواحل القرن الإفريقي كأرضية خصبة لتأمين خطوط تهريب جانبية، وهو ما أكده تقرير سابق لمركز "شاتهام هاوس" البريطاني عن التهديدات غير التقليدية في القرن الإفريقي.

من جهة أخرى، يشير الباحث فارس الكندي إلى أن الخطر الاستراتيجي لا يكمن فقط في تهريب السلاح، ولكن في قدرة الحوثيين على بناء جبهة بحرية خلفية، "إذا تمكنت الجماعة من نقل صراعها إلى البحر، فإنها ستصبح أكثر قدرة على تعطيل الملاحة الدولية، والضغط على خصومها من خلف الحدود."
ويضيف أن الجماعة تعتمد على دعم لوجستي من مهربين محليين إلى جانب جماعات دينية متطرفة وشبكات قرصنة سابقة.

 

*اقتصاد الحرب.. تهريب الأدوية والمخدرات*

ولا يقتصر التهريب على السلاح فقط، غير أن تجارة الأدوية والمخدرات هي من أكبر مصادر التمويل غير المشروع لجماعة الحوثي. 
وفقًا لتقرير المرصد الاقتصادي اليمني، فإن حجم سوق الأدوية المهربة في اليمن يكاد يوازي حجم السوق الرسمية، حيث يُعاد تغليف أدوية مهربة ومنتهية الصلاحية وتوزيعها في المناطق الخاضعة للحوثيين.

من جانبها، أوضحت منظمة الصحة العالمية أن تهريب المواد المخدرة أصبح مصدرًا مقلقًا في المنطقة، لا سيما مع تنامي حركة نقل الكبتاغون والهيروين عبر البحر الأحمر، مستغلة الممرات غير الخاضعة للرقابة.

 

*مستقبل الصراع في اليمن.. ظل التقسيم أو الاختراق الاستخباراتي*

الكاتب والمحلل السياسي عبدالستار الشميري يرى أن مستقبل الحرب في اليمن ما يزال مفتوحًا على ثلاثة احتمالات رئيسية، الأول، أن تواصل جماعة الحوثي توسعها العسكري، مما يفرض واقعًا فعليًا لتقسيم البلاد إلى مناطق نفوذ متجاورة، والثاني، أن تدفع الأطراف إلى سلام هش لا ينهي مسببات الصراع بل يجمده مؤقتًا إلى حين انفجاره مجددًا، أما الثالث، فهو إمكانية تنفيذ ضربات استخباراتية دقيقة تستهدف البنية العسكرية للجماعة وتضعفها، دون التوصل إلى حسم كامل للصراع.

من جهة أخرى، تناول تقرير صادر عن المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية (SWP)، يناير/كانون الثاني 2022، ثلاثة سيناريوهات محتملة لمستقبل اليمن، من بينها ما وصفه بـ"التقسيم التفاوضي"، الذي يفترض إقرارًا دوليًا بسلطة الحوثيين في الشمال مقابل ترتيبات أمنية تضمن المصالح الإقليمية والدولية، لا سيما فيما يتعلق بأمن البحر الأحمر وخطوط الملاحة.

وفي السياق ذاته، ذكر مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية في تقريره التحليلي لعام 2022 أن البلاد "باتت تتجه نحو نمط من الحكم المجزأ، مع تصاعد سلطة الأمر الواقع في مناطق متفرقة وفي مقدمتها مناطق سيطرة الحوثيين شمالًا"، معتبرًا أن هذا الواقع يعكس "نمطًا مستقرًا من اللا تمركز القسري"، في ظل غياب توافق وطني أو تدخل دولي جاد لإعادة توحيد القرار السياسي والعسكري في اليمن.

 

ختامًا..

ما يجري في البحر الأحمر لم يعد نشاطًا عشوائيًا أو مجرد انحراف مسلح، بل تحوّل نوعي في بنية الصراع؛ لإعادة رسم الجغرافيا السياسية للمنطقة، حيث تتشابك شبكات التهريب مع الجماعات المسلحة في منظومة سرية عابرة للحدود، تستبدل الدولة بالقوارب، والسيادة بالموانئ البديلة.
ولم تعد اليمن ساحة الحرب الوحيدة، بل أصبحت نقطة ارتكاز لشبكة تهريب دولية تدار بدقة من خلف الستار تحت رعاية مراكز قوى إقليمية تتقن توظيف الفوضى كأداة نفوذ.. وقد خرج الصراع من إطار المواجهة المحلية إلى معادلة إقليمية شديدة التعقيد تدار عبر الموانئ المخفية، والأسواق السوداء، والتحالفات الصامتة. 

وفي ظل غياب قرار دولي رادع، تزداد المخاطر، ويصبح السلام مجرد عنوان مؤجل على خريطة تتآكل تحت أقدام المهربين.


التعليقات