تحليل: استخدام تعطيل الطيران التجاري كسلاح.. استراتيجية جديدة لإيران والحوثيين
يمن فيوتشر - Small Wars Journal- ترجمة خاصة: الخميس, 19 يونيو, 2025 - 04:27 مساءً
تحليل: استخدام تعطيل الطيران التجاري كسلاح.. استراتيجية جديدة لإيران والحوثيين

في 4 مايو/ آيار 2025، أطلق الحوثيون صاروخًا من اليمن –صُنع باستخدام مكوّنات قدّمتها إيران– وتمكّن من تجاوز أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية والأمريكية ليضرب داخل محيط مطار بن غوريون الدولي في إسرائيل. وقد أسفر هذا الهجوم عن سلسلة من تعليق الرحلات الجوية، ما أدّى إلى توقف العديد من شركات الطيران غير الإسرائيلية عن تسيير رحلاتها، وترك العديد من الإسرائيليين عالقين في الخارج، إضافة إلى ضرب قطاعي السياحة والسفر التجاري إلى إسرائيل.
وفي الفترة ما بين 2015 و2022، وخلال التدخل العسكري بقيادة السعودية وبدعم أمريكي في اليمن، واجهت السعودية تهديدًا مماثلًا، إذ استهدفت جماعة الحوثي المدعومة من إيران البنية التحتية الحيوية –خصوصًا المطارات– بنحو ألف صاروخ و350 طائرة مُسيّرة، ما أدّى إلى تعطيل متكرر لحركة الطيران المدني. وكان من أبرز هذه الهجمات، قصف مطار أبها الدولي في جنوب غرب السعودية مرتين في يونيو/ حزيران 2019.
أما مع اندلاع الحرب بين إسرائيل وإيران في 13 يونيو/ حزيران، إثر الضربة الاستباقية التي شنّتها إسرائيل على برنامج إيران النووي، فقد فُتح فصل جديد في هذا النوع من الحرب. ففي حين استهدفت الضربات الجوية الإيرانية الأولى مقرّات الدفاع الإسرائيلية في تل أبيب، تحوّلت لاحقًا إلى ضرب مراكز سكنية مدنية، في دلالة واضحة على تغيّر الأولويات التكتيكية الإيرانية مع تقلّص مخزونها من الصواريخ.
كيف يمكن لإيران أن تطوّر استراتيجيتها في ظل إعادة فتح المجال الجوي الإسرائيلي أمام حركة الطيران المدني؟
تتناول هذه الورقة كيف أصبح استهداف الطيران المدني التجاري أداة فعّالة في الحرب غير المتكافئة التي تخوضها إيران والحوثيون.


•ضربة صاروخية على مطار بن غوريون الدولي
على الرغم من أن منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلية نجحت سابقًا في اعتراض العشرات من الصواريخ التي أُطلقت من اليمن، إلا أن صاروخًا واحدًا استطاع في 4 مايو/ آيار 2025 أن يفلت من منظومات الاعتراض ويصيب محيط مطار بن غوريون الدولي.
ففي تمام الساعة 9:18 صباحًا بتوقيت إسرائيل، رصدت قوات الدفاع الإسرائيلية (IDF) عملية الإطلاق، وسارعت إلى إبلاغ مراقبي الحركة الجوية الذين فعّلوا بدورهم بروتوكولات الطوارئ المعدّة مسبقًا، وتم توجيه الطائرات الموجودة في الأجواء بعيدًا عن مناطق الاعتراض المحتملة.
وفي الساعة 9:21 صباحًا، سُمِح لطائرة كانت في مرحلة الهبوط النهائي بالهبوط الآمن.
وبعد دقيقة واحدة، أي في 9:22 صباحًا، دوّت صفارات الإنذار في أرجاء وسط إسرائيل، بما في ذلك المناطق المحيطة بالمطار.
ثم في 9:24 صباحًا، ضرب الصاروخ حقلًا قرب طريقٍ مؤدٍّ إلى ساحة انتظار المركبات التابعة للمطار.
ووفقًا لـ هيئة الطيران المدني الإسرائيلية، فقد "استُؤنفت عمليات الهبوط بعد نحو ثلاثين دقيقة من عمليات تفتيش المدرجات".
و من أجل حماية أجوائها وسكانها، تعتمد إسرائيل على نظام دفاع جوي متعدد الطبقات، طُوّر بشكل أساسي على يد صناعاتها الدفاعية المحلية، وبدعم وتمويل من الولايات المتحدة وتعاون وثيق معها. يشمل هذا النظام:
القبة الحديدية للتصدي للصواريخ القصيرة المدى والطائرات المسيّرة.
مقلاع داوود لاعتراض الصواريخ المتوسطة المدى.
سلسلة صواريخ "السهم" للتعامل مع الصواريخ الباليستية بعيدة المدى.
إلى جانب تكنولوجيا تعتمد على الليزر لمواجهة التهديدات الجوية المتنوعة.
ويُكمّل هذه المنظومة المحلية، نظام "ثاد" الأمريكي (THAAD)، الذي تم نشره في إسرائيل ودخل حيّز التشغيل بعد الهجوم الجوي الإيراني في 1 أكتوبر/ تشرين الأول 2024.
ورغم أن أي نظام لا يمكنه توفير حماية مطلقة، إلا أن منظومة إسرائيل المتكاملة لرصد الإطلاقات واعتراضها، بالإضافة إلى بروتوكولات السلامة الجوية، تُعد موثوقة وفعّالة.
وقد كانت هذه الكفاءة كافية لضمان استمرار العمليات لدى شركات الطيران الإسرائيلية مثل "إلعال"، و"أركيع"، و"يسرائير"، و"إير حيفا".
كما استأنفت عدد من شركات الطيران الدولية رحلاتها إلى إسرائيل، من بينها:
الاتحاد للطيران (الإمارات)، الخطوط الجوية الأذربيجانية، تاروم (رومانيا)، والخطوط الجوية الإثيوبية.
وعلى خلاف العديد من شركات الطيران الغربية الكبرى التي أوقفت عملياتها لأجلٍ غير مسمى، واصلت هذه الشركات، إلى جانب شركات طيران منخفضة التكلفة مثل:
فلاي دبي، و بلو بيرد إيرويز، و سمارت وينغز، و توس إيرويز، و هاي سكاي، و الخطوط الجورجية، و خطوط قبرص الجوية، إلكترا إيرويز، وهاينان إيرلاينز، تسيير رحلاتها دون انقطاع طويل الأمد.
أما الغالبية العظمى من شركات الطيران الدولية الكبرى فقد ألغت رحلاتها من وإلى تل أبيب، حيث بدأت بإلغاء الرحلات وتحويل مساراتها مع تصاعد الأزمة في 4 مايو/ آيار، ثم تبعتها إعلانات متدرجة لتعليق الرحلات لفترات أسبوعية أو متعددة الأسابيع، تم تمديدها لاحقًا مرارًا، ما أدى إلى ترك العديد من المسافرين الذين يحملون تذاكر مؤكدة عالقين وسط موجة من التأجيلات وعدم اليقين.
وفي حين استأنفت شركة دلتا رحلاتها اليومية المباشرة إلى إسرائيل في 20 مايو/ آيار، مدّدت كل من يونايتد، و مجموعة لوفتهانزا، و إير كندا، والخطوط الجوية البريطانية تعليق رحلاتها لفترات إضافية.


•تغيّر أهداف الحوثيين
مدفوعين بما حققوه من اختراق، تعهد الحوثيون بمواصلة إطلاق صواريخ "فرط صوتية" نحو مطار بن غوريون، بهدف فرض "حصار جوي كامل" على إسرائيل.
وقد حذّرت الحركةُ جميع شركات الطيران الدولية من مغبة الاستمرار في رحلاتها إلى إسرائيل، داعية إياها إلى "حماية طائراتها" عبر إلغاء جداولها المقررة.
وقد استمر نمط استهداف المطار الرئيسي في إسرائيل، وعلى الرغم من أن الصواريخ التالية جرى اعتراضها، إلا أن الحوثيين اعتبروا نجاحهم في ردع حركة الطيران المدني بمثابة نصر استراتيجي معلن.
وقد جرى الترويج لإعلانات الإطلاقات شبه اليومية عبر الناطق باسم الحوثيين (يحيى سريع)، سواء من خلال حسابه على منصّتي تيليغرام و"إكس"، أو عبر وسيلة إعلام الجماعة الرسمية، قناة المسيرة.
ويُظهر حساب "إكس" التابع ليحيى سريع، النشط منذ عام 2020، أن تصريحاته كانت تحتفي سابقًا باستهداف مطارات ومنشآت نفطية سعودية وإماراتية.
لكن منذ انخراط الحوثيين في حرب إسرائيل–حماس في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 دعمًا لحركة حماس، تحوّل التركيز المُعلن للجماعة نحو أهداف اقتصادية إسرائيلية، وعلى رأسها الملاحة الجوية والشحن البحري.
ومع ذلك، لا يزال هناك إعلان مُثبّت على صفحته منذ 18 يناير/ كانون الثاني 2022، يتفاخر بقصف مطاري دبي وأبو ظبي بالصواريخ الباليستية، ويُطلق تحذيرًا إلى ما يسمّيه "دول العدوان": الولايات المتحدة، والسعودية، والإمارات.
ولفهم هذا التحوّل التدريجي في أهداف الحوثيين -من استهداف دول عربية مسلمة إلى استهداف الدولة اليهودية- لا بد من التوقف عند جذور الحركة الحوثية وسياقها ضمن الديناميكيات الإقليمية الأوسع.


•الديناميكيات الإقليمية
نشأت جماعة "أنصار الله"، المعروفة على نطاق أوسع باسم الحوثيين، كحركة معارضة في شمال اليمن، قبل أن تتحوّل إلى تمرد مسلح محلي تمكن لاحقًا من فرض سيطرته على نحو نصف أراضي البلاد.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2023، برز الحوثيون إلى الساحة الدولية باعتبارهم الجهة المسؤولة عن استهداف طرق الملاحة المدنية في البحر الأحمر.
لكن النزاع الداخلي في اليمن يتوارى خلف صراع جيوسياسي أوسع نطاقًا بين إيران والسعودية؛ حيث دعمت الرياض الحكومة المعترف بها دوليًا، بينما وفّرت طهران الرعاية والدعم لجماعة الحوثيين الزيدية، ما حوّل الصراع من حرب أهلية إلى ساحة مواجهة بالوكالة بين القوتين الإقليميتين.
ويُعد هذا الصراع في اليمن جزءًا من "حرب باردة في الشرق الأوسط" أوسع بين إيران والسعودية، خاضها الطرفان عبر وكلاء إقليميين على جبهات متعددة.
وقد بدأت ملامح هذه المواجهة تتبلور عقب سقوط نظام (صدام حسين)، حين سعت إيران إلى استغلال الفراغ السياسي في العراق لبسط نفوذها، فعمّقت علاقاتها الثقافية والدينية والتجارية مع الغالبية الشيعية، ودعمت الميليشيات الشيعية في صراعاتها الطائفية ضد السنّة خاصة، وضد الاحتلال الأمريكي عامة.
ومع النجاحات التي حققتها، واصلت إيران توسيع نفوذها الإقليمي، من خلال التدخل في الصراعات الطائفية والفصائلية في لبنان واليمن والساحة الفلسطينية.
وفي كل من هذه الساحات، وجدت الحكومات والفصائل المدعومة من الدول العربية السُنية الموالية للغرب نفسها منخرطة في صراعات دامية ضد وكلاء تدعمهم إيران.
ومع تزايد حدة الأزمة الإقليمية، عزّزت الولايات المتحدة من انخراطها المباشر، لتتولى دورًا قياديًا في تنسيق الجهود بين حلفائها وشركائها الإقليميين في مواجهة الدور الإيراني المتنامي والمزعزع للاستقرار.
و تحوّلت اليمن إلى ساحة مركزية للصراع بين المحور الذي تقوده إيران والمحور الذي تقوده الولايات المتحدة، وذلك عندما سيطر الحوثيون المدعومون من إيران على العاصمة اليمنية صنعاء، إلى جانب مساحات واسعة من الأراضي في سبتمبر/ أيلول 2014، ثم أجبروا الرئيس اليمني المدعوم من السعودية على الاستقالة بعد أربعة أشهر.
وقد مثّل استيلاء الحوثيين على مدينة الحديدة الساحلية (الواقعة على بُعد 200 كلم جنوب غرب صنعاء)، ثم استيلاؤهم في مارس/ آذار 2015 على مدينة عدن الواقعة على الطريق المؤدي إلى مضيق باب المندب، نقطة تحول مفصلية؛ إذ منحهم ذلك خطوط إمداد بحرية مباشرة تمكّنهم من تلقي الدعم العسكري الإيراني بشكل مباشر، بعدما كانوا محاصرين بريًا.
وشكّل هذا التوسع الحوثي، بدعم مباشر من إيران، ونجاح طهران في ترسيخ موطئ قدم لها على شبه الجزيرة العربية، الذريعة (casus belli) التي استندت إليها العملية العسكرية التي قادتها السعودية بدعم أمريكي عام 2015، والتي شاركت فيها الإمارات العربية المتحدة بدور بارز.


•المطارات السعودية تحت القصف
قادت السعودية حملة عسكرية متعددة المحاور ضد الحوثيين المدعومين من إيران، وقد رد الحوثيون بإطلاق قرابة ألف صاروخ و350 طائرة مُسيّرة مفخخة على أراضي المملكة والإمارات بين عامي 2015 و2022.
واستهدفت الهجمات الحوثية البُنى التحتية الاستراتيجية في منطقة الخليج، وعلى رأسها المطارات. وفي مواجهة هذا التهديد، فعّلت السلطات السعودية نظام السيطرة الأمنية الطارئة على حركة الملاحة الجوية في أجواء مناطقها الجنوبية الغربية، بما في ذلك محيط مدينة جدة، التي تُعد محورًا رئيسيًا لحركة الحجيج.
وقد هددت هذه الاضطرابات الجوية تدفق ملايين الحجاج سنويًا، فضلًا عن إيرادات السياحة المرتبطة بذلك.
ومع وصول عناصر من الحرس الثوري الإيراني إلى الأراضي اليمنية الخاضعة لسيطرة الحوثيين، ونقل تقنيات عسكرية متطورة، ارتفعت قدرات الحوثيين الهجومية ومدى تهديدهم العابر للحدود.
و في نوڤمبر/ تشرين الثاني2017، أطلق الحوثيون صاروخًا باليستيًا إيراني الصنع من اليمن، تم اعتراضه قرب مطار الملك خالد الدولي في الرياض. وفي يونيو/ حزيران 2019، أُطلق صاروخ كروز أصاب مطار أبها الدولي، أحد المراكز الإقليمية الحيوية في جنوب غرب المملكة، مستهدفًا صالة الوصول، ما أسفر عن إصابة 26 شخصًا. وبعد يومين فقط، شنّت طائرة مُسيّرة حوثية هجومًا آخر على المطار ذاته، ما أسفر عن مقتل شخص وإصابة 21 آخرين.
وقد شكّلت هذه الهجمات خرقًا نادرًا لمنظومة الدفاع السعودية "درع السلام"، المعروفة بكفاءتها.
وعند رصد أي تهديد صاروخي أو طائرات مُسيّرة، كانت القوات الجوية السعودية تتولّى عملية الرصد، والتعقّب، والاعتراض، بالتنسيق مع الهيئة العامة للطيران المدني، لاتخاذ إجراءات تشمل تحويل مسارات الرحلات، وتعليق الإقلاع والهبوط، وتعديل مسارات الطيران العابر.
وكانت هذه الإجراءات تتسبب غالبًا في تعليق حركة الطيران التجاري لساعات، إلى أن يتم تحييد التهديد، ورفع القيود، والسماح للطائرات في أنماط الانتظار بالهبوط، ثم تصفية التراكمات التشغيلية للرحلات المغادرة.
و مهّد الاتفاق السعودي الإيراني الموقّع في 10 مارس/ آذار 2023 الطريق أمام كلٍّ من السعودية والإمارات لتقليص عملياتهما العسكرية في اليمن، غير أن اندلاع الحرب في غزة بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 وما تبعها من توسّع سريع على المستوى الإقليمي أعاد تسليط الضوء على خطوط الصدع الجيوسياسية التي جمعت إسرائيل والسعودية والإمارات في معسكرٍ واحد داخل الحرب الباردة الإقليمية.
ففي أعقاب الهجوم العنيف الذي شنّته حركة حماس في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، أطلقت إسرائيل حملة عسكرية واسعة في قطاع غزة، لتبدأ بعدها سلسلة من الهجمات الصاروخية من قبل وكلاء إيران —من حزب الله اللبناني، إلى ما تُعرف بـ"فصائل المقاومة الإسلامية" في العراق، وصولًا إلى الحوثيين في اليمن— محوّلةً بذلك الصراع إلى مواجهة أوسع متعددة الجبهات.
وردًا على ذلك، قامت الولايات المتحدة بإعادة تموضع استراتيجي ونشر قوات لدعم هذا التكتّل الإقليمي الناشئ بين إسرائيل والدول العربية المتحالفة معها، من خلال إرسال مجموعات حاملة طائرات إلى سواحل لبنان، ونشر أنظمة دفاع جوي مضادة للصواريخ في الخليج، وإرسال قوات إلى الأردن.
وجاء الهجوم المباشر الذي شنّته إيران على إسرائيل في 13 أبريل/ نيسان 2025 ليُبرز هذا التحالف الجديد المدعوم أمريكيًا، حيث شاركت جيوش الأردن والسعودية والإمارات وقطر جنبًا إلى جنب مع الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين في رصد واعتراض أكثر من 300 طائرة مُسيّرة وصاروخ إيراني اخترقت أجواءها في طريقها نحو إسرائيل. وقد وصف أغلب المحللين هذا الهجوم الإيراني بأنه باهظ التكاليف وقليل الفعالية.


•استراتيجية إيران الجديدة: تسليح تعليق الرحلات الجوية
بحلول أكتوبر/ تشرين الأول 2024، أدركت إيران أن شنّ هجمات فعلية لم يعد ضروريًا؛ فمجرد التهديدات، وما يتبعها من تعليق الرحلات الجوية، كفيل بإرهاق المجتمع الإسرائيلي وتعميق عزلته الاقتصادية، من خلال إحباط السياحة وتقليص حركة السفر التجاري.
وقد تجلّى هذا التحوّل بوضوح عقب اغتيال إسرائيل لـ (إسماعيل هنية)، الزعيم السياسي لحركة حماس —المنضوية ضمن المحور الإقليمي الإيراني— في طهران بتاريخ 31 يوليو/ تموز 2024. هدّدت إيران بالرد، وهي خطوة اعتُبرت مقدمة لهجوم جوي جديد، مما دفع غالبية شركات الطيران الدولية إلى إلغاء رحلاتها إلى إسرائيل.
في البداية، أعلنت شركات الطيران تعليق رحلاتها لمدة أسبوع، لكنها عادت ومدّدت تلك التعليقات قبل أيام فقط من موعد استئنافها المعلن، وهو نمط تكرّر مع تأخر إيران في تنفيذ أي هجوم فعلي.
وجاء الهجوم الجوي المنتظر بعد شهرين. وبالنظر إلى التفوق العسكري الإسرائيلي، كانت إيران تراهن على استمرار حالة الترقب والغموض أكثر من شن ضربة فورية، حيث إن التهديد المتواصل أدى إلى شللٍ شبه كامل في حركة الطيران التجاري والسياحة داخل إسرائيل.
وأخيرًا، نُفّذت الضربة في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول 2024. و أُغلقت الأجواء الإسرائيلية بالكامل، إلى جانب أجواء كلٍّ من إيران والعراق ولبنان والأردن، وذلك خلال الغارة الجوية التي استمرت قرابة ساعة.
وبدعم حاسم من ائتلاف الدفاع الجوي في الشرق الأوسط بقيادة الولايات المتحدة —الذي تُعد إسرائيل أحد أعضائه— تمكنت إسرائيل من رصد واعتراض نحو 180 صاروخًا باليستيًا، بالإضافة إلى عدد آخر من الطائرات المُسيّرة.
وفي مساء اليوم نفسه، أعادت إسرائيل فتح مجالها الجوي أمام الرحلات المدنية، إلا أن غالبية شركات الطيران الدولية واصلت تعليق رحلاتها إلى تل أبيب، ومدّدت هذا التعليق حتى منتصف عام 2025.
ورغم أن الهجمات الجوية لم تُلحق ضررًا مادّيًا كبيرًا بإسرائيل، إلا أن إيران ووكلاءها أدركوا أن مجرد تعطيل المجال الجوي لخصمهم يمكن أن يُطلق سلسلة من التبعات المتلاحقة:
شركات الطيران تواجه مخاطر أمنية متزايدة.
التزامات قانونية صارمة لتعويض الركاب.
إلى جانب ارتفاع كبير في تكاليف التأمين.
وضغوط قوية من طواقم الطيران ونقاباتهم لوقف الرحلات لأيام أو حتى أشهر.
وقد أدّى تلاقي هذه الضغوط المالية والتشغيلية، إلى جانب الهواجس الأمنية الملازمة للمناطق المتأزمة، إلى عزوف المسافرين، وأسهم فعليًا في عزل الدولة المستهدفة عن محيطها.
و عقب مجزرة 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، شنت إسرائيل حربًا في قطاع غزة بهدف القضاء على حركة حماس، ثم واصلت حملتها العسكرية ردًا على القصف الصاروخي المتواصل من قبل حزب الله على شمال إسرائيل خلال خريف 2024، حيث أضعفت الحزب بشكل كبير واغتالت قياداته.
وإلى جانب ذلك، أدى تفكيك إسرائيل المكثّف للبنية التحتية الإرهابية الإيرانية في سوريا إلى إضعاف الدعم الإيراني الذي كان يضمن بقاء نظام الأسد، ومهّد، من دون قصد، الطريق أمام ائتلاف معادٍ للشيعة ولإيران تقوده هيئة تحرير الشام للإطاحة بنظام (بشار الأسد) في دمشق. وقد أدى هذا التغيير الجذري في الحكم إلى كسر "حلقة النار" الإيرانية التي كانت تطوّق إسرائيل.
ومع اهتزاز هيبة الردع الإيراني، رأت إدارة ترامب في ذلك فرصة سانحة، فأصدرت إنذارًا نهائيًا لطهران: إما التخلي عن برنامجها النووي العسكري عبر المفاوضات، أو مواجهة ضربة إسرائيلية بدعم أمريكي تستهدف منشآتها النووية. ولمضاعفة جدّية التهديد العسكري، أطلقت الإدارة الأمريكية في الوقت نفسه ضربات جوية عقابية ضد أهداف للحوثيين في اليمن.
وفي 6 مايو/ آيار 2025، أعلن الرئيس ترامب عن هدنة مع الحوثيين، بهدف تهيئة الأجواء للتقدّم في المفاوضات مع إيران، إلا أن هذه الهدنة لم تتطرّق إلى الهجمات الصاروخية المستمرة التي تستهدف مطار بن غوريون الدولي، والتي تواصلت دون انقطاع.


•الحرب بين إسرائيل وإيران
في صباح 13 يونيو/ حزيران 2025، نفذت إسرائيل ضربة استباقية استهدفت برنامج إيران النووي، ما أدى إلى اندلاع صراع شامل بين البلدين. وردًا على ذلك، أطلقت إيران وابلًا من الضربات الجوية الصاروخية بشكل يومي، شارك فيها الحوثيون بشكل محدود.
وتضمنت هذه الضربات إطلاق نحو 100 صاروخ باليستي يوميًا، إلى جانب عدد متغير من الطائرات المسيّرة. ومع ذلك، فإن حجم الإطلاقات الإيرانية لم يرتقِ إلى مستوى التوقعات، نتيجة تآكل كبير في ترسانتها ومنصات الإطلاق لديها.
وقد استهدف الهجوم الإيراني الأولي مقر وزارة الدفاع الإسرائيلية في تل أبيب، إلا أن الضربات اللاحقة اتجهت نحو التجمعات السكانية المدنية. وبدلًا من إنفاق ما تبقى لديها من صواريخ على أهداف عسكرية عالية القيمة —استراتيجية ثبت أنها لم تُحدث سوى أضرار سطحية في الماضي— اختارت إيران التركيز المتزايد على استهداف المدنيين.
ويُطرح اليوم سؤال محوري:
كيف ستتكيف إيران مع التطورات في حال أعادت إسرائيل فتح أجوائها أمام حركة الطيران التجاري؟
وقد أدى اندلاع الحرب بين إسرائيل وإيران إلى إغلاق المجال الجوي في الشرق الأوسط أمام الحركة الجوية المدنية، حيث تم إلغاء الرحلات من وإلى إسرائيل والأردن ولبنان وسوريا والعراق وإيران. وفي الأيام التالية، ظل مطار إسرائيل مغلقًا لأجل غير مسمّى، في حين أعلنت مطارات أخرى في المنطقة، بما فيها بعض المطارات الإيرانية، عن استئناف عملياتها، محققة نجاحات متفاوتة في جذب شركات الطيران التجارية للعودة.
لكن على عكس جيرانها، تواجه إسرائيل تحديًا إضافيًا يتمثل في كون مجالها الجوي التجاري هدفًا مقصودًا بحد ذاته. وفي ظل غياب احتمال خضوع إيران بشأن برنامجها النووي -وهو احتمال ضعيف- أو انهيار النظام الحاكم فيها -وهو سيناريو ما يزال ممكنًا- من المرجّح أن تزداد اعتماد القيادة الإيرانية المحاصَرة على أدوات الحرب غير التقليدية. ومن بين هذه الأدوات المحتملة: استهداف الحركة الجوية التجارية في إسرائيل بشكل ممنهج، كإستراتيجية تهدف إلى تعويض النقص في القدرات العسكرية الإيرانية عبر عزل إسرائيل، وإنهاك شعبها، وإلحاق أضرار باقتصادها.


الخاتمة
إن استهداف المجال الجوي المدني عن عمد يعكس اتجاهاً متصاعدًا في توظيف إيران ووكلائها للحرب غير المتكافئة. فهذه الأساليب توفر وسيلة منخفضة الكلفة نسبيًا لتهديد حلفاء الولايات المتحدة وشركائها الإقليميين. ومع استمرار الجهات المعادية في تراكم الخبرات العملياتية، يُتوقع أن تكتسب هذه الاستراتيجية زخمًا أكبر، وقد تتحوّل إلى أداة متزايدة الفاعلية في إطار نهجهم الشامل.
وعلى الرغم من أن منظومات الدفاع الجوي المتكاملة —مثل تلك المعتمدة في إسرائيل والسعودية— توفر حماية عالية الفاعلية، إلا أنها ليست حلًا شاملًا. فهذه الأنظمة تعمل ضمن إطار دفاعي تفاعلي، وتعالج فقط الأعراض دون التصدي لجذور التحدي الاستراتيجي الأكبر.
و الاعتماد المتزايد لإيران ووكلائها على الحرب غير النظامية والمتكيّفة يُظهر استغلالًا للثغرات التي تعجز حتى أكثر الدفاعات تطورًا عن سدّها بالكامل.

لقراءة المادة من موقعها الاصلي:

https://smallwarsjournal.com/2025/06/17/iran-asymmetric-warfare-aviation-disruption/


التعليقات