تقرير: هل انتهت أيام المعلم؟ أسباب تراجع الإقبال على كلية التربية في عدن
يمن فيوتشر - محمد جسار: الجمعة, 30 مايو, 2025 - 04:01 مساءً
تقرير: هل انتهت أيام المعلم؟ أسباب تراجع الإقبال على كلية التربية في عدن

في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها اليمن، يتعرض قطاع التعليم، لا سيما كلية التربية في جامعة عدن، لانتكاسة غير مسبوقة. فبينما كان عدد الطلاب الملتحقين بالكلية خلال العام الدراسي 2009-2010 يبلغ نحو 2200 طالب وطالبة، لم يتجاوز العدد مع نهاية العام الماضي 90 طالبًا فقط.
هذا التراجع الكبير يستدعي تحليلًا للأسباب الاقتصادية والاجتماعية التي دفعت الشباب إلى العزوف عن التخصصات التربوية، والتي كانت في السابق من أبرز الخيارات الأكاديمية.

 

•أسباب اقتصادية
يؤكد الدكتور مرعي بارباع، رئيس قسم التاريخ في كلية التربية ورئيس النقابة التعليمية، أن الظروف الاقتصادية تلعب الدور الأبرز في عزوف الطلاب عن الالتحاق بالكلية، مشيرًا إلى أن ارتفاع تكاليف الدراسة، مثل أسعار المواصلات والكتب الدراسية، جعل التعليم في كلية التربية عبئًا ماليًا إضافيًا على الأسر الفقيرة.
وفي ظل غلاء المعيشة وارتفاع نسبة البطالة، يتجه الشباب نحو مجالات أخرى يمكن أن توفر لهم دخلًا أسرع وأعلى، بدلًا من قضاء سنوات في التعليم العالي دون ضمانات مستقبلية، حد تعبيره.

 

•تأثير الانخراط في السلك العسكري
إلى جانب الوضع الاقتصادي، يشير الدكتور بارباع إلى تأثير ما سمّاها "العسكرة" على اختيارات الشباب، في ظل استمرار النزاع وتوسع التشكيلات العسكرية.
فالحوافز المالية التي يحصل عليها المنضمون إلى القوات المسلحة، والتي قد تفوق رواتب المعلمين، تجعل الخدمة العسكرية خيارًا أكثر إغراء.
يقول بارباع: "الراتب الذي يتقاضاه العسكري يعادل رواتب ثلاثة دكاترة مدرسين في كلية التربية"، ما يكشف عن الفارق الجاذب لعديد الشباب نحو العسكرية، ويعمّق أزمة التعليم التربوي.

•فتح باب التدريس لخريجي الثانوية
التغيرات في سوق العمل ساهمت كذلك في تفاقم الأزمة، فوزارة التربية والتعليم أصدرت قرارًا غير مسبوق بفتح باب التدريس في المدارس الخاصة حتى لخريجي الثانوية العامة، دون اشتراط شهادة أكاديمية متخصصة.
هذا القرار، كما يرى الدكتور بارباع، يشكل ضربة قوية لكلية التربية، التي كانت تعد الطلاب لمهن تعليمية تتطلب تأهيلًا أكاديميًا ومهنيًا.
وفي وقت أصبحت فيه فرص العمل في المدارس الخاصة متاحة دون الحاجة إلى شهادة تربوية، بات العديد من الطلاب يفضلون هذه البدائل الأسرع والأنسب.

 

•شهادات
تعد تجربة مها يوسف، طالبة في قسم اللغة العربية، نموذجًا للتحديات التي يواجهها طلاب الكلية.
تصف مها دخولها للكلية بأنه كان "حلمًا سعت إليه منذ الصغر"، متأثرة بخالتها التي تعمل معلمة في المدارس الابتدائية، لكنها تعرب عن قلقها من تراجع أعداد الطلاب، رغم أن التخصصات التي تدرسها كلية التربية تُعد من المجالات المطلوبة في سوق العمل.
تقول: "الكليات العلمية استوفت مقاعدها، بينما تعاني كلية التربية من عزوف الطلاب"، وهو تباين يسلّط الضوء على حجم التحديات التي تواجه الكلية التي كانت في الماضي وجهة رئيسية للراغبين في التعليم.

 

•تجارب
دفعت الأوضاع الاقتصادية الصعبة العديد من الشباب إلى ترك مقاعد الدراسة. محمود آل عبادل، مثلًا، كان يدرس في كلية الآداب قسم الخدمة الاجتماعية، لكنه ترك الدراسة والتحق بالخدمة العسكرية في إحدى الألوية بمحافظة شبوة.
يقول: "ظروفنا الاقتصادية كانت صعبة للغاية، لذلك كان الخيار الوحيد أمامي هو الانضمام للجيش."
ورغم التحاقه بالسلك العسكري، لم تختفِ رغبة محمود في استكمال تعليمه الجامعي، إذ التحق بنظام التعليم عن بُعد في إحدى الكليات الخاصة.
وقصته ليست استثناء، إذ يعاني الكثير من الشباب في المعسكرات من ظروف مماثلة دفعتهم إلى التخلي عن التعليم.

 

•تحديات اجتماعية
إضافة إلى الضغوط الاقتصادية، تلعب الأوضاع الأسرية دورًا كبيرًا في تحديد مسارات الشباب التعليمية، إذ يضطر كثيرون منهم إلى العمل أو الالتحاق بالخدمة العسكرية من أجل إعالة أسرهم.
يوضح محمود: "ثمة شباب كُثُر في المعسكر لم يستطيعوا إكمال دراستهم بسبب الظروف الأسرية الاقتصادية"، ما يكشف عن واقع مؤلم بات فيه التعليم خيارًا غير متاح للعديد من أبناء الطبقات الفقيرة.

...
تواجه كلية التربية في محافظة عدن، التي تُعد العاصمة المؤقتة للحكومة اليمنية، تحديات متداخلة تتسبب في تراجع الإقبال عليها، لا تقتصر على الجانب الاقتصادي فحسب، بل تشمل الظروف الاجتماعية والثقافية، حيث أصبح الشباب أكثر توجهًا نحو الخيارات الأسرع والأكثر ضمانًا.
وفي ظل هذه التحولات، تبرز الحاجة الماسة إلى تجديد سياسات التعليم العالي، بما في ذلك تحسين الوضع الاقتصادي للطلاب، وتطوير المناهج لتتواكب مع احتياجات سوق العمل المتغيرة.


التعليقات