تقرير: "غشاء البكارة".. خرافة تزهق أرواح النساء!
يمن فيوتشر - لؤي العزعزي الأحد, 25 مايو, 2025 - 09:03 مساءً
تقرير:

في زمن تتسارع فيه وتيرة الاكتشافات العلمية وتنفتح فيه آفاق معرفية أكثر اتساعًا، لا تزال منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ترزح تحت نير معتقد بائد، يربط زورًا "شرف" المرأة بتركيبة جسدية بسيطة لا تتجاوز سنتيمترات داخل جسدها.
وبينما تنظر المجتمعات المتقدمة إلى هذا الربط العبثي بكثير من الدهشة والازدراء، يبقى غياب أو تمزق هذا النسيج الرقيق كفيلًا بإلحاق العار بالنساء، وأحيانًا بإنهاء حياتهن.

يسعى هذا التقرير إلى كشف زيف الأساطير المحيطة بما يُسمى "غشاء البكارة"، من خلال استعراض الحقائق العلمية وآراء الخبراء، وتحليل الأبعاد الاجتماعية والقانونية والاقتصادية لهذه الخرافة التي تستمد حضورها من الجهل والسلطة الذكورية، وهي دعوة لمراجعة شجاعة تُحرر النساء من عبء معيار زائف.

 

*"إكليل المهبل".. الحقيقة العلمية الغائبة*
بعيدًا عن المرويات الشعبية والمفاهيم المشوشة، يقدم العلم تعريفًا دقيقًا لما يُطلق عليه شعبيًا "غشاء البكارة".
وفقًا لمصادر طبية موثوقة، فإن هذا النسيج هو بقايا جنينية يختلف شكلها وسماكتها ومرونتها بين امرأة وأخرى، بل إن نحو 40% من النساء يُولدن دون هذا النسيج من الأساس، وهو ما ينسف تمامًا الاعتقاد بكونه معيارًا أخلاقيًا.

وتؤكد الأبحاث الطبية أن فض هذا النسيج لا يستلزم بالضرورة نزيفًا، بل في أغلب الحالات لا يتعدى الأمر بضع قطرات من الدم، بينما يشير النزيف الحاد عادة إلى عنف أثناء العلاقة، وقد يستدعي تدخلًا طبيًا، ما يضرب الترويج لربط النزيف بوصفه علامة دامغة على العذرية.

 

*التمزق لا علاقة له بالعلاقات الجنسية بالضرورة*
ويفضح العلم العلاقة الزائفة بين تمزق هذا النسيج والممارسة الجنسية، إذ تؤكد الدراسات أن نشاطات مثل ركوب الدراجة، الفروسية، الغوص، الجمباز، استخدام السدادات القطنية، إلى جانب بعض الفحوصات الطبية، قد تؤدي إلى تمزق "إكليل المهبل" أو "حلقة الإكليل البكارية" وهو الترجمة العربية لـ"Hymenal ring" دون أي نشاط جنسي، ما يقوّض واحدة من أكثر الأدوات استخدامًا لمراقبة النساء وتقييد حرياتهن.

 

*الشرف قيمة لا تختزل في نسيج*
يؤكد الخبراء الاجتماعيون والنفسيون أن الشرف قيمة أخلاقية وإنسانية مجردة، تتجلى في سلوك الفرد وأفعاله وقيمه ومبادئه، ولا يمكن اختزالها في قطعة نسيجية لا تحمل أي دلالة حقيقية على عفة المرأة أو سلوكها الأخلاقي، فيما يُعدّ الإصرار على ربط الشرف بهذا النسيج تقليلًا مهينًا لقيمة المرأة وإنسانيتها، ما يجعلها محكومة بجسدها ومحاصرة به.

 

*لماذا تبقى الخرافة رغم الحقائق؟*
على الرغم من وضوح الحقائق العلمية، يظل السؤال مطروحًا: لماذا يستمر توصيف من هذا النوع في البقاء والانتشار في مجتمعاتنا؟
يرى خبراء أن مصطلح "غشاء البكارة" نفسه يوحي بطبيعته "دليلًا على العذرية"، وهو ما يُرسخ الاعتقاد الخاطئ في الأذهان، ما يشير إلى ضرورة تبني مصطلح علمي دقيق ومحايد مثل "إكليل المهبل" للتخلص من الحمولة الدلالية الخاطئة التي يحملها المصطلح الشائع.
بالإضافة إلى ذلك، يُستخدم هذا التنميط كأداة للسيطرة الاجتماعية على النساء، وبث الخوف في قلوبهن من العلاقات الجنسية قبل الزواج، مما يُسهل على الأهل والمجتمع المحافظ فرض رقابة صارمة على سلوكهن.
وتمثل "فحص العذرية" وعمليات "ترميم البكارة" صناعة مربحة تُدرّ ملايين الدولارات سنويًا، مما يخلق مصلحة اقتصادية في استمرار هذه الثقافة.
ويُساهم غياب التعليم الجنسي الشامل والصحيح في استمرار الجهل بالحقائق التشريحية والفسيولوجية المتعلقة بالأعضاء التناسلية، دون إغفال الارتباط التاريخي والثقافي لهذا النسيج بمفهوم العذرية في عديد المجتمعات القديمة، وهو إرث ثقافي لا يزال يؤثر على بعض المجتمعات الشرقية.

 

*"شرف مُصنّع".. تجارة تُظهر تفاهة المعيار*
في مفارقة صارخة، يتحول "الشرف" المفترض إلى منتج صناعي يمكن شراؤه بسهولة؛ فتنتشر "أغشية البكارة الصناعية" في الأسواق، لتُستخدم في تضليل الأزواج والمجتمع، ما يُبرز هشاشة المعيار الذي يُقيم من خلاله "شرف" المرأة.

 

*آراء قانونية ودينية تنحاز للعلم والعدالة*
يشدد المحامي اليمني خالد الكمال على أن فحص العذرية، عند طلبه من النيابة أو المحكمة، مخالف للدستور والقانون والشرع، موضحًا أن فقدان هذا النسيج لا يعني ارتكاب الفتاة لفعل جنسي.
وتؤكد المحامية ريهام الصنوي أن هذه الفحوصات تمثل شكلًا من أشكال العنف، ما لم تكن مرتبطة بتحقيق جنائي في حالة اغتصاب، حيث يُجرى الفحص لجمع الأدلة وليس لتقييم "العفة".

 

*حان وقت كسر القيد وإطلاق الوعي*
يظل ربط الشرف بغشاء في القرن الحادي والعشرين وصمة على جبين مجتمعاتنا، الأمر الذي بات يتطلب ثورة فكرية تُعيد تعريف القيم، وتُحرر الأجساد من سطوة التنميط. ويُعدّ اعتماد مصطلح "إكليل المهبل" خطوة أولى نحو كسر هذا الربط الزائف، وبما يساعد على فتح المجال أمام نقاش أكثر علمية وعدالة، بعيدًا عن الأحكام المسبقة والتقاليد الجائرة.

 

*أصوات نسوية وسياسية ترفض احتكار الشرف*
الناشطة اليسارية رشا كافي ترى أن مفهوم الشرف تحوّل إلى أداة لتكريس سلطة الذكر على الأنثى، بعدما جُرّد من معناه الإنساني العميق، فيما يصف السياسي علي البخيتي الشرف بأنه وهم، لا يُطبق إلا على النساء، بينما يُستثنى الرجال من المحاسبة الأخلاقية، مشيرًا إلى أن الأمر لا يتجاوز رغبة ذكورية في امتلاك النساء وسلب إرادتهن.
وتؤكد النقابية العراقية نور سالم أن ربط كرامة المرأة بقطعة نسيج جنيني هو إذلال مقنن، يُستخدم لضبط أجساد النساء والتحكم في حياتهن الخاصة، مطالبة بإلغاء فحص العذرية وتجريمه، وتضمين التربية الجنسية الشاملة في المناهج التعليمية لتكريس الوعي الصحي والحقوقي.

 

*من اللغة تبدأ المعركة*
تغيير المصطلحات لن يكون ترفًا لغويًا، بل خطوة نحو تحرير المفاهيم من القيود الثقافية.
"إكليل المهبل" بديل علمي وعادل عن "غشاء البكارة"، ويُعدّ مدخلًا مهمًا لإعادة صياغة العلاقة بين الجسد والكرامة، ولتفكيك منظومة كاملة من المفاهيم الخاطئة التي كبّلت النساء.


التعليقات