حذرت اللجنة الأمريكية للحرية الدينية الدولية، في تقرير جديد، أغسطس/آب 2025، من أن التعددية الدينية في المناطق الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثيين تواجه خطر "الانقراض شبه الكامل"، جراء ما وصفته بانتهاكات "منهجية وجسيمة" لحرية الدين والمعتقد طالت الأقليات الدينية والنساء.
وأوضحت اللجنة، في ورقة بحثية أعدتها الباحثة هيلاري ميلر، أن الجماعة تفرض قيودًا صارمة على البهائيين والمسيحيين واليهود وأتباع الجماعة الأحمدية، عبر التلقين الديني القسري في المدارس والسجون، وإجبار غير المسلمين على ممارسات دينية لا يؤمنون بها، إلى جانب تعديل المناهج لإدخال مضامين طائفية ومعادية للسامية.
وأضافت أن معظم أتباع هذه الأقليات اضطروا للفرار خارج اليمن، بينما يعيش القلة الباقون في الخفاء خوفًا من التهديدات والعنف.
وذكر التقرير أن معتقلي الأقليات في سجون الحوثيين يتعرضون لسوء المعاملة، ويُجبر بعضهم على حضور دروس دينية كشرط للإفراج عنهم، فيما تُفرض قيود مشددة على سفر النساء وتعليمهن، وتُنشر وحدات "الزينبيات" لفرض أفكار الجماعة داخل المدارس والمنازل، كما اتهم الحوثيين بالتمييز في توزيع المساعدات الإنسانية وحرمان بعض الأقليات منها.
وأكدت اللجنة أن هذه الانتهاكات تتواصل رغم إعادة تصنيف الحوثيين كـ "منظمة إرهابية أجنبية" من قبل الولايات المتحدة في مارس/آذار 2025، داعية المجتمع الدولي إلى الضغط على الجماعة لوقف هذه الممارسات وضمان احترام حرية الدين والمعتقد في اليمن.
إليكم نص الورقة:
ورقة حقائق: حرية الدين في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين في اليمن
اللجنة الأمريكية للحرية الدينية الدولية
واشنطن – أغسطس 2025
إعداد: هيلاري ميلر – محللة سياسات
•مقدمة
تواجه التعددية الدينية في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون في اليمن خطر الانقراض شبه الكامل. ففي الثلث الواقع تحت سيطرة الجماعة، خاصة في الشمال والغرب، استمرت الجماعة في ارتكاب انتهاكات منهجية وجسيمة لحرية الدين والمعتقد (FoRB) لها تأثيرات خطيرة على الأقليات الدينية. كما تُفرض على النساء والفتيات قوانين مستمدة من التفسير الأحادي للحوثيين للمذهب الشيعي.
منذ عام 2019، أوصت اللجنة الأمريكية للحرية الدينية الدولية بإدراج الحوثيين كـ “كيان مثير للقلق بشكل خاص” بسبب انتهاكات خطيرة لحرية الدين. وقد صنفتهم وزارة الخارجية الأمريكية سنويًا منذ 2018، وآخرها في ديسمبر 2023، بهذا الوصف. وما زالت العلاقة بين الحوثيين والحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا علاقة عدائية، شكلتها أكثر من عشر سنوات من الصراع المستعصي، وعدم الاعتراف المتبادل، والمطالبات المتنافسة بالشرعية.
تستعرض هذه الورقة أوضاع حرية الدين في مناطق سيطرة الحوثيين، حيث تفرض الجماعة قيودًا مشددة على البهائيين والمسيحيين واليهود وأتباع الجماعة الأحمدية، مبررة ذلك بدوافع دينية. ويُستخدم التعليم، والإعلام، والتوجيهات الشفوية، وحملات التعبئة الدينية لفرض التفسير الأحادي للحوثيين، بما في ذلك في السجون والمدارس. وقد فر كثيرون من الذين رفضوا هذه الإملاءات إما إلى الجنوب أو خارج اليمن، بينما يعيش القليل الباقي من أتباع الأقليات في الخفاء خوفًا من التهديدات والعنف.
•خلفية
الحوثيون جماعة شيعية زيدية تأسست في شمال اليمن عام 1992 كحركة إحياء ديني، ثم تحولت إلى قوة سياسية وعسكرية منخرطة في الحرب الأهلية اليمنية ضد الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا والمدعومة من التحالف الذي تقوده السعودية، مع دعم من إيران.
تعرّض أعضاء الأقليات الدينية – خاصة البهائيين واليهود والمسيحيين وغير المؤمنين – للاضطهاد على أسس مشابهة لما يقوم به النظام الإيراني. بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، تبنت الحركة شعارها: “الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام”.
في سبتمبر 2023، التقى وفد حوثي بمسؤولين سعوديين في الرياض لبحث اتفاق سلام، لكن مشاركة الحوثيين في الصراع الإقليمي بعد هجمات 7 أكتوبر على إسرائيل عطلت أي تقدم نحو إنهاء الحرب. وفي يناير 2025، وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمرًا تنفيذيًا لإعادة تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية (FTO)، وأعلن وزير الخارجية ماركو روبيو القرار رسميًا في 4 مارس 2025.
•التلقين الديني القسري
يفرض الحوثيون أفكارهم الدينية على الطلاب بغض النظر عن انتماءاتهم أو معتقداتهم. فمنذ 2015، أجروا ما يقارب 500 تعديل على المناهج الدراسية بهدف نشر فكرهم. ويُجبر الطلاب المسيحيون على دراسة القرآن، وقد طُرد شقيقان مسيحيان من المدرسة لرفضهما حضور حصص القرآن.
في 2024، غادرت أسرة مسيحية إحدى مناطق الحوثيين لتجنب إجبار أطفالها على الصلاة في المساجد أو الالتحاق بمعسكرات التلقين. واحتُجز شخص آخر لمدة 20 يومًا في معسكر حوثي بسبب إبداء شكوك حول الإسلام. كما تتضمن المناهج مواد معادية للسامية، تصف إسرائيل بـ “الغدة السرطانية اليهودية”، وتصور اليهود بأنهم مخادعون وجشعون وبخلاء.
•مراكز الاحتجاز
يتعرض معتقلو الأقليات الدينية لسوء المعاملة بسبب هويتهم. ذكر أحد المعتقلين البهائيين أن زملاءه أُجبروا على حضور دروس دينية كشرط للإفراج عنهم. ويُستخدم كتاب “الملازم” – النص الأيديولوجي المؤسس للجماعة – لفرض أفكار الحركة. كما يضع الحوثيون المعتقلين من الأقليات مع سجناء متشددين من القاعدة وداعش، ويُسمح لهؤلاء بالاعتداء عليهم بعد إبلاغهم بانتماءاتهم الدينية.
●استهداف الأقليات الدينية
•البهائيون
يبلغ عددهم نحو 2000 في اليمن. تعرضوا لاضطهاد متصاعد منذ سيطرة الحوثيين. في مايو 2023، داهمت قوات حوثية مؤتمرًا سنويًا للبهائيين في صنعاء واعتقلت 17 شخصًا، أُطلق سراحهم بحلول أغسطس 2024 بعد إجبارهم على التوقيع على وثائق تنكر دينهم. وما زالوا ممنوعين من الاجتماع أو التواصل الديني في 2025.
•المسيحيون
تضاءل عددهم من 41 ألفًا إلى بضعة آلاف فقط. توقفت عشرات التجمعات عن العبادة بين أكتوبر 2023 وسبتمبر 2024 بسبب المخاطر الأمنية. غادر كثير من المتحولين إلى المسيحية مناطق الحوثيين، وقُتل أحدهم في 2024 على يد أسرته بسبب إيمانه. كما استُهدف موظفو الأمم المتحدة في مناطق الحوثيين باعتبارهم “مسيحيين وأعداء للإسلام”، وأُجبر بعضهم على اعترافات كاذبة أمام الكاميرات.
•اليهود
كانوا 55 ألفًا، لكن معظمهم هاجر بعد 1948. لم يبق إلا ليبي مرحبي، وهو معتقل منذ سنوات رغم أمر قضائي بالإفراج عنه عام 2019، ويتعرض لتعذيب شديد، منها الحرمان من الطعام والعزل الانفرادي والصعق بالكهرباء. الإعلام الحوثي يروج لخطاب كراهية ضد اليهود، حتى في برامج الأطفال.
•الأحمدية
في يناير 2024، اعتُقل عشرات من أتباع الجماعة الأحمدية، بينهم قائدهم، وأُطلق سراحهم في أبريل بعد إجبارهم على التلقين الديني والتخلي عن معتقدهم.
●السياسات الحوثية القائمة على الدين
•قيود على النساء والفتيات
تُلزم الجماعة جميع النساء بالسفر مع “محرم”، بما في ذلك الأجنبيات والعاملات في الإغاثة، وتمنع دخول بعض النساء إلى جامعة صنعاء أو السفر إلا بهذا الشرط. كما تغلق المحلات النسائية، وتستخدم وحدات “الزينبيات” لفرض أفكارها على النساء في المساجد والمدارس والمنازل، بما في ذلك إجبارهن على برامج تعليم طائفي.
نساء الأقليات في وضع أشد خطورة، إذ تُجبر بعض المسيحيات على تغطية وجوههن بالكامل، وتتعرض البهائيات لمضايقات متعمدة تمس مفاهيم الحياء الديني بهدف الإذلال.
•الأحكام القضائية ذات الأساس الديني
تستخدم الجماعة تفسيراتها الدينية لفرض اتهامات “أعمال غير أخلاقية”، وفرض عقوبات شرعية تصل إلى الإعدام. في فبراير 2024، هددت برجم 30 رجلًا في ذمار بتهمة اللواط، قبل إعادتهم إلى السجن.
•التمييز في المساعدات الإنسانية
يفضل الحوثيون المسلمين الموالين لهم في توزيع المساعدات، ويُحرم كثير من البهائيين والمسيحيين منها بسبب هويتهم، أو خوفهم من الاعتقال إذا ذهبوا لمراكز التوزيع. كما رُفض علاج بعض المسيحيين في المستشفيات.
•الخلاصة:
بعد إعادة تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية في مارس 2025، تواصل الجماعة انتهاك المعايير الدولية لحرية الدين والمعتقد. رغم أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ينص على أن “لكل شخص الحق في حرية الفكر والضمير والدين”، فإن سكان مناطق الحوثيين ما زالوا يواجهون قيودًا منهجية على هذا الحق الأساسي.