أنهى الريال اليمني الأسبوع الأول من تحسّن في أسعار الصرف هو الأول من نوعه منذ نحو ثلاثة أعوام، عقب إجراءات قادها البنك المركزي اليمني شملت إغلاق ما لا يقل عن 51 شركة صرافة مخالفة، غير أن المخاوف ما تزال قائمة من انتكاسة عكسية محتملة.
وأعاد هذا التحسن بعض الأمل لدى السكان في المدن الواقعة ضمن نفوذ مجلس القيادة الرئاسي المدعوم من السعودية، بعد أعوام من تهاوي العملة الوطنية. ومع ذلك، لا يزال المواطنون يترقبون انعكاس هذا التحسن على أسعار السلع الرئيسية.
•العوامل والأسباب
كانت الإجراءات التي أطلقها البنك المركزي اليمني فاعلة في إحداث تحسّن نسبي في أسعار الصرف. وهي إجراءات سبق أن قام ببعضها خلال الأشهر الأخيرة، لكنها لم تكن فعالة على المدى البعيد. إلا أن هذا التحسن المتسارع يعود، بدرجة كبيرة، إلى حالة من حشد الدعم الدولي والمحلي التي حظيت بها القرارات الأخيرة.
يمكن ملاحظة جانب من هذا التقدم المدفوع بالحشد الدولي ومحاولة إعادة تمكين البنك المركزي من مسؤولياته في القرار الذي أصدرته جمعية الصرافين بالتنسيق مع البنك المركزي، والذي تضمن تثبيت سعر صرف الريال اليمني أمام الريال السعودي عند حدود 757 للشراء و760 للبيع أواخر الشهر الماضي. وهو قرار غير مسبوق، إذ لم يكن البنك هو من يحدد أسعار الصرف في السابق.
وكانت الخطوة ضمن حزمة إجراءات ساعدت في تحسّن صرف الريال اليمني، أبرزها قرار رئيس الوزراء بشأن تشكيل لجنة تنظيم الاستيراد المعنية بالرقابة على مصادر تمويل الاستيراد. كما أن رد فعل الصرافين إزاء جدية العواقب هذه المرة ساعد في انخفاض أسعار الصرف، خشية أن تتكدّس لديهم كميات كبيرة من العملات الصعبة.
يقول المحلل السياسي صلاح السقلدي لـ"يمن فيوتشر": "هذه التقلبات في سعر الصرف التي نراها حاليًا تندرج ضمن تصفية حسابات استعرت قبل أشهر داخل القوى المرتبطة بالقطاع المصرفي الخاص، وقد انعكست تلك التصفيات على ما نراه من مفاجآت، إذ إن هناك مصارف وبنوكًا تجارية ظلت، وما تزال، مرتبطة بمؤسسات حكومية لا تورد إيراداتها المالية للبنك المركزي، وتتخذ من الشركات والبنوك الخاصة خزائن وملاذات تهريب وإيداع بحسابات مصرفية وبنكية مخفية عن أعين البنك المركزي والأجهزة الرقابية، بل وبتواطؤ مع هذه الأخيرة."
ويشير السقلدي إلى أن ما يجري اليوم لا يمكن التعويل عليه كحل للأزمة، فالأزمة الاقتصادية عميقة للغاية، وحلها مرتبط، بدرجة أساسية، بالتسوية السياسية المنتظرة، وبإعادة بث الروح في جسد الاقتصاد المُغمي عليه من خلال تسوية سياسية مع الحوثيين، بإشراف خليجي، وغيرها من العوامل.
لكنه يؤكد أن ما جرى لا يمكن التقليل من إيجابياته ونفعه، إذ يمثل، برأيه، "رمي صخرة كبيرة في بحيرة فساد آسنة"، وشكّل تحولًا جيدًا تجاه كبح فساد مراكز القوى التي تغلغلت بشكل مريع داخل الدولة خلال السنوات العشر الماضية، وهي قوى لها تاريخ طويل، حد وصفه.
وتابع: "هذه القوى تتعرض اليوم لصفعة قوية ضعضعت مركزها ونفوذها إلى حد كبير، وهو ما يساعد على الاستفادة مما جرى لمواصلة الإصلاحات وكبح جماح الفوضى والفساد."
ويقول السقلدي إن الاحتجاجات الشعبية، وبالذات في محافظة استراتيجية كحضرموت، كانت من العوامل المحفزة للأحداث الأخيرة، إذ هزت عرش السلطات، ودَفعتها إلى استشعار الخطر على مواقعها.
وبالفعل، شهدت محافظة حضرموت، كبرى محافظات البلاد، خلال الأيام الماضية احتجاجات شعبية في مدينة المكلا، عاصمة المحافظة الاستراتيجية، قبل أن تتوسع هذه الاحتجاجات صوب مديريات أخرى في منطقتي الساحل والوادي.
ورفع المحتجون شعارات ولافتات تطالب بإصلاحات جادة في ملفات الخدمات والاقتصاد. وقد أدت الاحتجاجات إلى مقتل مواطن برصاص قوات الأمن في تريم وإصابة آخرين، قبل أن يعود الهدوء إلى المكلا العاصمة، فيما لا تزال الاحتجاجات متواصلة في مديريات الوادي.
•الانعكاسات على الأسواق
بعد مرور أسبوع من بدء التحسن في قيمة العملة المحلية، بدأ المواطنون في المدن المحررة يطرحون أسئلة من قبيل: هل يمكن أن تنخفض أسعار السلع الرئيسية المرتبطة بالتموين الغذائي الشهري واليومي؟
كانت الأيام الأربعة الأولى من تحسن قيمة الريال اليمني معيارًا لدى الاقتصاديين للمستوى الذي يمكن أن تصل إليه العملة من الثبات والاستقرار. أما بالنسبة للمواطنين، فقد اعتبروا هذه الأيام مهلة غير معلنة للمؤسسات التجارية كي يشعروا بانخفاض الأسعار.
وبالفعل، انخفضت أسعار السلع الرئيسية من المواد الغذائية، لكن آمال المواطنين كانت أكبر من المستوى الذي توقفت فيه بعض المؤسسات التجارية عنده في أسعارها الجديدة، خصوصًا بالنسبة للمواد الغذائية الأساسية مثل الدقيق والأرز والسكر والزيت.
وأعلنت كبرى المؤسسات التجارية المصنّعة والمستوردة للمواد الغذائية أسعارها الجديدة بفوارق تصل إلى ما بين 30 ألفًا و10 آلاف ريال عن السعر السابق، غير أن الفوارق السعرية بين المؤسسات التجارية كشفت عن تباين واختلاف في الأسعار.
ووصل سعر كيس الدقيق (50 كجم) إلى 52 ألف ريال بفارق 12,500 ريال عن السعر السابق، فيما بلغ سعر الكيس (25 كجم) نحو 26,300 بفارق 6,250 ريال. أما سعر الأرز الشاهين (40 كجم) فبلغ 99 ألف ريال بفارق 31 ألف ريال، وتتفاوت فوارق الأسعار في الأرز الحجم الكبير من 10 آلاف إلى 30 ألفًا.
وانخفضت كذلك أسعار زيت الطبخ بمختلف الأحجام بفوارق تتراوح بين 5 آلاف و10 آلاف ريال، وهو الحال بالنسبة لمنتجات الألبان.
مختص الزراعة والتوريد من مناطق الحوثيين، المهندس أكرم سعيد يحيى، مدير إدارة التسويق في مكتب الزراعة والري بمحافظة عدن، قال لـ"يمن فيوتشر" إن هناك تحسّنًا ملحوظًا في أسعار الخضروات والفواكه بعد تحسّن سعر صرف الريال اليمني أمام العملات الأجنبية، مشيرًا إلى إمكانية ملاحظة ذلك من خلال أسعارها يومي الخميس والثلاثاء، حيث تبيّن انخفاض أسعار البطاطس والطماطم والبصل تدريجيًا.
وأوضح أنه في يوم الخميس كان سعر سلة البطاطس 33,500 ريال، والطماطم 20,000 ريال، والبصل 12,000 ريال، قبل أن تنخفض هذه الأسعار يوم الثلاثاء إلى 22,000 ريال للبطاطس، و17,000 للطماطم، فيما ثبت البصل عند 12,000.
وأضاف: "معظم الخضروات والفواكه تأتي من المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثي، وهم يرفضون الأوراق النقدية المتداولة في المناطق المحررة، وهو أحد الأسباب التي أدّت إلى ارتفاع أسعار الخضروات، إذ يتم التحويل إلى المناطق الشمالية مع عمولة تبلغ ثلاثة أضعاف السعر."
وقدم مثالًا على ذلك، موضحًا أن سعر سلة البطاطس في المحافظات الواقعة تحت سيطرة الحوثيين يبلغ 5,000 ريال، وعندما تصل إلى عدن يصبح السعر 25,000 ريال، يضاف إليها تكاليف النقل، وبالتالي، يقوم الوكيل بشراء الريال السعودي وإرساله إلى هناك حيث يُصرف بالسعر المحدد في مناطق الحوثيين.
وأشار إلى أن احتمال بقاء السعر مرتفعًا لأي محصول يعتمد على العرض والطلب، مؤكدًا أن المحاصيل التي ترتفع أسعارها تكون وارداتها قليلة في بعض الفترات، وغالبًا ما تأتي من مناطق سيطرة الحوثيين، أو بسبب احتكار بعض التجار.
وقال إن هذا الأمر يمكن معالجته عبر المتابعة والمراقبة من لجنة الأسعار التابعة لوزارة الصناعة والتجارة.
•التحليل الاقتصادي – هشاشة السوق ومستقبل التحسن
المحلل ورئيس مركز الإعلام الاقتصادي، مصطفى نصر، قال إن التقلبات الحادة في سعر الصرف لم تكن طبيعية، سواء في الانهيار السريع أو التحسن المفاجئ خلال ساعات قليلة، وهو ما يعكس هشاشة السوق النقدية وغياب الاستقرار.
وأضاف، في منشور على فيسبوك أعاد إرساله لـ"يمن فيوتشر" ردًا على سؤالنا حول التحسن الأخير: "المضاربة وفوضى سوق الصرافة لعبت دورًا رئيسيًا في تعميق الأزمة، لذا فإن تفعيل لجنة المشتريات وتشديد الرقابة على شركات الصرافة كان له أثر إيجابي ملموس، مع ضرورة استمرار هذه الجهود."
وأشار إلى أن الأسباب الجذرية للتدهور لا تزال قائمة، أبرزها شح الموارد من النقد الأجنبي نتيجة توقف تصدير النفط وأخطاء في السياسات المالية والنقدية.
وأضاف أن معالجة هذا الملف، أو الحد منه من جانب السلطة الشرعية، أمر بالغ الأهمية لضمان الاستقرار.
وقال: "يجب على مؤسسات الدولة دعم البنك المركزي اليمني، وتوفير الغطاء السياسي، والعمل على استعادة الموارد وتحقيق الحد الأدنى من الاستدامة المالية، والابتعاد عن دور المتفرجين والبحث الشهري عن المرتبات فقط."
وشدد على أن غياب الحلول المستدامة يهدد أي تحسن في قيمة الريال، مؤكدًا أن انهيار العملة مسّ كل مواطن باستثناء من يتقاضون رواتبهم بالدولار من موظفي الشرعية، فيما يمثل التحسن الأخير بارقة أمل، لكنه مرهون بجدّية الإصلاحات الاقتصادية والسياسية.
واختتم بالقول: "إن استمرار حالة عدم اليقين والانقسامات بين مكونات الشرعية يعرقل أي مسار للإصلاح، إذ إن إصلاح منظومة الشرعية وآليات اتخاذ القرار بإرادة سياسية جادة هو الخطوة الأولى قبل القيام بأي خطوات إصلاح اقتصادي، رغم أهمية تكاملهما معًا."
•القرارات الحكومية والإجراءات المتخذة
في 4 أغسطس/آب الجاري، أصدر وكيل قطاع الرقابة على البنوك في البنك المركزي اليمني، منصور راجح، تعميمًا بشأن تحديد سقف الحوالات الخارجية بمبلغ لا يتجاوز 2,000 دولار، وعمليات بيع العملة الأجنبية للأغراض الشخصية.
منذ 23 يوليو/تموز وحتى 5 أغسطس/آب، أصدر محافظ البنك المركزي اليمني عدة قرارات تضمنت إغلاق وسحب التراخيص من 51 شركة صرافة في مدينة عدن.
في 20 يوليو، أصدر محافظ البنك المركزي أحمد المعبقي القرار رقم 6، الذي تضمن نقل مقر مؤسسة ضمان الودائع المصرفية من صنعاء إلى مدينة عدن.
في 17 يوليو، بدأت لجنة تمويل وتنظيم الاستيراد أول اجتماع لها عقب إعلان تأسيسها من قبل محافظ البنك المركزي، وهي لجنة يترأسها المحافظ وتضم وزير التجارة والصناعة ومسؤولين آخرين، وتُعد من العوامل التي ساهمت في التحسن التدريجي لسعر الصرف.
•هل يستمر التحسن؟ وكيف؟
بعد مرور أسبوع من تحسن أسعار صرف العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، يتركز السؤال الآن حول الأدوات والوسائل التي تملكها الحكومة والجهات المعنية للحفاظ على استمرارية هذا التحسن ودعم الخطوات والإجراءات التي تخدم تثبيت أسعار الصرف.
ويُرتقب أن تأتي هذه الجهود ضمن إطار موحد يشمل تنسيقًا شاملًا بين الجهات الحكومية والرقابية والأمنية والمجالس الأهلية والمواطنين، لضمان تحقيق الهدف الرئيسي المتمثل في الحفاظ على تحسّن العملة ونتائجه.
وسيمثل سعي الجهات الحكومية بشكل جدي في ملف خفض أسعار السلع دافعًا لتعاون المواطن في التجاوب مع الجهات الرقابية، خصوصًا فيما يتعلق بالإبلاغ عن المحلات التجارية التي لا تلتزم بخفض الأسعار.
وقال مصطفى نصر لـ"يمن فيوتشر": "إن استمرار تحسن صرف العملة المحلية يعتمد على عدة معطيات، أولها استمرار تشديد الرقابة على تداول النقد الأجنبي، وتفعيل عمل لجنة المشتريات، وضبط المضاربين في العملة. هذه خطوات عملية وإجرائية يفترض أن يستمر فيها البنك المركزي، وبدعم من الحكومة والقيادة السياسية."
وأضاف: "من المهم تغطية احتياجات البلد من النقد الأجنبي وعدم الإنفاق من مصادر تضخمية، وهذا يتطلب توفير العملة الصعبة. في حال استطاعت الحكومة الشرعية القيام بهذه الإجراءات، أتوقع أن تستمر حالة الاستقرار ويصل السوق إلى حالة من التوازن الإيجابي."