قال أشخاص مطّلعون إن الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة قررت سحب مفتشيها من إيران بسبب مخاوف تتعلق بالسلامة، ما يقطع آخر الروابط بين الوكالة وطهران، التي كانت قد علّقت التعاون مع الهيئة الدولية في وقت سابق من هذا الأسبوع.
وبحسب شخصين مطّلعين، فقد نُقل فريق مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية براً إلى خارج إيران يوم الجمعة، رغم أن الرحلات الدولية غادرت مطارات إيران الرئيسية بشكل طبيعي بعد صراع دام 12 يوماً مع إسرائيل.
كان المفتشون قد تم إيواؤهم في فندق بالعاصمة طهران، دون السماح لهم بزيارة المواقع النووية منذ الهجوم الإسرائيلي على إيران في 13 يونيو/حزيران، وقد يكونوا لاحقاً قد نُقلوا إلى أحد مقار الأمم المتحدة في المدينة، بحسب أحد المصادر.
ومنذ ذلك الحين، صعّدت إيران من خطابها العدائي تجاه الوكالة، وتلقّى مدير عام الوكالة، رافائيل غروسي، تهديدات بالقتل من نواب في البرلمان ووسائل إعلام محسوبة على النظام.
وقد أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية لاحقاً مغادرة المفتشين، وقالت في منشور عبر منصة "إكس" إن غروسي "جدّد التأكيد على الأهمية الحيوية لمناقشة الوكالة مع إيران سبل استئناف أنشطتها الأساسية في الرصد والتحقق داخل إيران في أقرب وقت ممكن".
وتجعل مغادرة المفتشين من غير المرجح على الإطلاق أن يحصل المجتمع الدولي على أي وصول مباشر إلى المواقع النووية الإيرانية، ما يمنح طهران مساحة أكبر للعمل دون رقابة. ومع ذلك، لا تزال الأنشطة الإيرانية تحت مراقبة كثيفة من أجهزة الاستخبارات الغربية والإسرائيلية، كما أن الوكالة تحتفظ بإمكانية الوصول إلى صور الأقمار الصناعية للمواقع الإيرانية.
هذا الوضع يهدد أيضاً بإثارة أزمة بشأن استمرار إيران في الالتزام بمعاهدة عدم الانتشار النووي، التي تحظر عليها حيازة أسلحة نووية وتُلزمها بإجراء عمليات تفتيش منتظمة على برنامجها النووي.
ولعقود، خضعت إيران لعمليات تفتيش صارمة شملت منشآتها النووية الأساسية، حيث كان المفتشون يزورون مواقع التخصيب ويفحصون مخزون إيران من اليورانيوم المخصب كل بضعة أيام، لضمان عدم تحويل المواد الانشطارية نحو تطوير أسلحة نووية.
وتُصر إيران دوماً على أن برنامجها النووي يهدف لأغراض سلمية بحتة. وقال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم الخميس إن إيران تسعى لاستئناف المفاوضات النووية، دون أن تؤكد طهران ذلك حتى الآن.
وكانت التوترات بين إيران والوكالة قد تصاعدت على مدى سنوات، بعدما أصبحت إيران الدولة الوحيدة غير المالكة للأسلحة النووية التي تنتج يورانيوم عالي التخصيب بنسبة 60%، كما أعاقت تحقيقاً امتد لست سنوات حول وجود مواد نووية غير معلن عنها داخل البلاد. وتقول الوكالة منذ عامين إنها لم تعد قادرة على التأكد من سلمية الأنشطة النووية الإيرانية.
وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، وتحت ضغط دولي متزايد، فعّل الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان قانوناً جديداً أقره البرلمان يقضي بتعليق التعاون مع الوكالة.
ويعني هذا الإجراء أن الوكالة ستُحرم من أي معلومات حول الأنشطة النووية الإيرانية أو وضع منشآتها، بعد الضربات التي شنتها إسرائيل والولايات المتحدة الشهر الماضي على مواقع نووية رئيسية في إيران.
وقال ترامب إن تلك الهجمات دمرت البرنامج النووي الإيراني، فيما صرح مسؤول في البنتاغون أن الضربات تسببت بتراجع البرنامج الإيراني بما يصل إلى عامين.
وقد دانت واشنطن قرار إيران هذا الأسبوع ووصفته بأنه "غير مقبول"، في حين دعت الدول الأوروبية طهران إلى التراجع عنه، مؤكدة أن وقف الرقابة على البرنامج النووي سيجعل التوصل إلى حل دبلوماسي أكثر صعوبة. ويتطلب أي اتفاق نووي معرفة دقيقة بالبنية التحتية النووية الإيرانية ومخزونها من اليورانيوم المخصب.
من جانبه، قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي يوم الخميس إن إيران لا تزال ملتزمة بمعاهدة عدم الانتشار، لكن مسؤولين إيرانيين كانوا قد صرحوا في السابق بأن إيران قد تنسحب من المعاهدة إذا تعرضت لهجوم، وقد تصاعدت في الأسابيع الأخيرة الأصوات الرسمية التي تشكك في جدوى البقاء ضمن المعاهدة.
ويُرجّح أن يؤدي انسحاب المفتشين إلى تصعيد المواجهة، إذ أن طهران مُلزمة بقبول عمليات التفتيش بموجب المعاهدة، ورفضها التعاون قد يدفع مجلس محافظي الوكالة إلى اتخاذ إجراءات، قد تشمل إحالة الملف إلى مجلس الأمن الدولي، بحسب غروسي. وقد سبق أن ردّت إيران بقوة على مثل هذا الضغط عبر تقليص المزيد من الرقابة الدولية.
وفي الأيام الأخيرة، أجرى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اتصالات بنظرائه الأمريكي والروسي لمناقشة التطورات. وبعد مكالمته مع الرئيس فلاديمير بوتين يوم الثلاثاء، صرّح الكرملين بأن استمرار تعاون إيران مع الوكالة أمر "بالغ الأهمية".
وتضغط إسرائيل على الدول الأوروبية لإعادة فرض جميع العقوبات الدولية التي رُفعت بموجب الاتفاق النووي لعام 2015، وذلك رداً على تعليق إيران تعاونها مع المفتشين. وكان ترامب قد انسحب من ذلك الاتفاق خلال ولايته الأولى.
وكانت الوكالة قد اشتكت في السابق من تعرض مفتشيها للمضايقة داخل إيران، واتهام طهران بسرقة تقارير داخلية سرية من الوكالة.
وفي نهاية مايو/أيار، وزّعت الوكالة تقريراً أعدّته الدول الأوروبية يبيّن فشل إيران في الإجابة على أسئلة تتعلق بوجود مواد نووية غير مُعلنة داخل البلاد، وكشف التقرير عن نمط من الإجابات المتناقضة وغير الموثوقة من الجانب الإيراني. وعلى إثر ذلك، أعلنت الوكالة إيران "غير ممتثلة" لمتطلبات التعاون.
وفي اليوم التالي، شنت إسرائيل هجماتها على إيران. وقد حمّلت طهران غروسي مسؤولية التمهيد لتلك الهجمات واتهمته بعدم إدانة الهجمات الأميركية والإسرائيلية. كما أعادت طهران تكرار مزاعمها القديمة – التي سبق أن رفضتها الوكالة – بأن الوكالة زوّدت إسرائيل بمعلومات ساعدتها في استهداف علماء نوويين إيرانيين.